استضافت دولة الإمارات العربية المتحدة، في الفترة من 30 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 13 ديسمبر/كانون الأول 2023، مؤتمر الأمم المتحدة الثامن والعشرين لتغير المناخ (COP28). يُعقد مؤتمر المناخ في كل عام بالدول الأعضاء للنقاش حول المسؤوليات البيئية العالمية والمأمول تغييره وتحديد وتقييم التدابير المناخية. وقد أدت هذه المؤتمرات إلى اتفاقيات بارزة مثل بروتوكول كيوتو لعام 1997 واتفاقية باريس لعام 2015.

قبل‭ ‬قمة‭ ‬المناخ‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬أثارت‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬غضب‭ ‬المدافعين‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والعدالة‭ ‬المناخية‭ ‬الذين‭ ‬حذروا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬النفطية‭ ‬القمعية‭ ‬التي‭ ‬ترتكب‭ ‬انتهاكات‭ ‬مستمرة‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تُمنح‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المكانة‭ ‬المرموقة‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭ .‬تاريخيًا،‭ ‬قدمت‭ ‬قمة‭ ‬المناخ‭ ‬فرصة‭ ‬فريدة‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬تعبئة‭ ‬المدافعين‭ ‬عن‭ ‬المناخ‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬لبناء‭ ‬تضامن‭ ‬بين‭ ‬الحركات‭ ‬البيئية‭ ‬مع‭ ‬ضحايا‭ ‬انتهاكات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬مثلت‭ ‬القمة‭ ‬أيضًا‭ ‬فرصة‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬اهتمام‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬ومشاركة‭ ‬الدولة‭ ‬لتضخيم‭ ‬متطلبات‭ ‬الفضاء‭ ‬المدني‭ ‬الرئيسية‭ .‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬التدقيق‭ ‬العالمي‭ ‬المكثف‭ ‬لسجل‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬واصلت‭ ‬السلطات‭ ‬الإماراتية‭ ‬حملتها‭ ‬المتواصلة‭ ‬ضد‭ ‬المدافعين‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والمعارضين‭ ‬للحكومة‭. ‬وقد‭ ‬نظر‭ ‬مجتمع‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬باعتباره‭ ‬فرصة‭ ‬ضائعة‭ ‬لحماية‭ ‬الفضاء‭ ‬المدني‭ ‬والوقوف‭ ‬ضد‭ ‬التبييض‭ ‬لسجل‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬السيئ‭ ‬في‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬عبر‭ ‬قضايا‭ ‬المناخ‭.‬

في‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬والأجوبة،‭ ‬يتحدث‭ ‬المدافع‭ ‬الإماراتي‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والمدير‭ ‬التنفيذي‭ لمركز‭ ‬مناصرة‭ ‬معتقلي‭ ‬الإمارات‭ ‬حمد‭ ‬الشامسي‭ ‬مع‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬عياش‭ ‬من‭ ‬مركز‭ ‬ديمقراطية‭ ‬الشرق‭ ‬الاوسط‭ ‬حول‭ ‬الوضع‭ ‬السيئ‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الإمارات،‭ ‬والجهود‭ ‬المبذولة‭ ‬لبناء‭ ‬تضامن‭ ‬عالمي‭ ‬مع‭ ‬المدافعين‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬الخليجية‭ ‬الغنية،‭ ‬وضحايا‭ ‬القمع‭ ‬الحكومي‭ ‬العابر‭ ‬للحدود‭.‬

مركز‭ ‬ديمقراطية‭ ‬الشرق‭ ‬الاوسط‭:‬‭ ‬ لا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الاهتمام‭ ‬الدولي‭ ‬بالإمارات‭ ‬قد‭ ‬غيّر‭ ‬من‭ ‬توجه‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬استهداف‭ ‬المدافعين‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ .‬وقد‭ ‬بدأت‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬قمة‭ ‬المناخ‭ ‬محاكمة‭ ‬جديدة‭ ‬لأربعة‭ ‬وثمانين‭ ‬مواطنًا‭ ‬باتهامات‭ ‬إرهاب‭ ‬مدفوعة‭ ‬سياسيًا‭ .‬هل‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬تصف‭ ‬لنا‭ ‬سياق‭ ‬هذه‭ ‬المحاكمات‭ ‬وكذلك‭ ‬كيف‭ ‬تستخدم‭ ‬الحكومة‭ ‬الإماراتية‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬والنظام‭ ‬القضائي،‭ ‬وكذلك‭ ‬القمع‭ ‬العابر‭ ‬للحدود،‭ ‬في‭ ‬تقييد‭ ‬وقمع‭ ‬الحركة‭ ‬الحقوقية؟

حمد‭ ‬الشامسي‭:‬‬ أولًا، لا يمكننا بدء الحديث عن قضية الإمارات 84 بدون الحديث عن سابقتها، قضية الإمارات 94. ففي عام 2012، بدأت السلطات الإماراتية في الاعتقال التعسف لعدد كبير من المواطنين – كثير منهم من الداعين السلميين للديمقراطية والذين يرتبطون بجمعية الإصلاح الإماراتية – بتهم ملفقة. استمرت هذه الاعتقالات حتى مارس/آذار 2013 عندما بدأت المحاكمة الجماعية رسميًا. استمرت جلسات المحكمة لمدة أربعة أشهر، وتلقى بعدها 69 شخصًا أحكامًا تتراوح بين 7 إلى 15 عامًا. واحتفظت السلطات بالعقوبة القصوى لمن يحاكمون غيابيًا، في حين تلقى العديد من الموجودين داخل الدولة، مثل سلطان بن كايد القاسمي، رئيس جمعية الإصلاح وأحد أفراد الأسرة الحاكمة في إمارة رأس الخيمة، أحكامًا بالسجن لمدة 10 سنوات.

ورغم‭ ‬إنهاء‭ ‬المعتقلين‭ ‬جميعًا‭ ‬أحكام‭ ‬السجن‭ ‬الظالمة،‭ ‬رفضت‭ ‬الحكومة‭ ‬الإماراتية‭ ‬الإفراج‭ ‬عنهم،‭ ‬وأبقتهم‭ ‬في‭ ‬”مراكز‭ ‬المناصحة“،‭ ‬وهي‭ ‬طريقة‭ ‬تستخدمها‭ ‬السلطات‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬لتمديد‭ ‬فترة‭ ‬الاعتقال‭ ‬إلى‭ ‬أجل‭ ‬غير‭ ‬مسمى‭. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬السلطات‭ ‬الإماراتية،‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لتحسين‭ ‬صورتها‭ ‬الدولية،‭ ‬حاولت‭ ‬إضفاء‭ ‬الشرعية‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الاعتقالات‭ ‬غير‭ ‬العادلة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رفع‭ ‬قضية‭ ‬جديدة،”‭ ‬الإمارات،‭ ‬84″‭ ‬ضد‭ ‬المعتقلين.‭ ‬لكن‭ ‬الاتهامات‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬الجديدة‭ ‬كانت‭ ‬مماثلة‭ ‬لتلك‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬قضية” الإمارات‭ ‬94″‭ ‬مع‭ ‬تعديلات‭ ‬طفيفة‭ ‬فقط،‭ ‬مثل‭ ‬استخدام‭ ‬مصطلح” تنظيم‭ ‬إرهابي “‭‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬“تنظيم‭ ‬سري”‭.‬

تبدو‭ ‬قضية‭ ‬الإمارات ‭ ‬،84‬والتي‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬7‭ ‬ديسمبر ‭ ،‬2023‬رسالة‭ ‬تحدي‭ ‬للمجتمع‭ ‬الحقوقي‭ ‬العالمي،‭ ‬الذي‭ ‬تكاتف‭ ‬للمطالبة‭ ‬بالإفراج‭ ‬عن‭ ‬المعتقلين‭ ‬الإماراتيين‭.‬ لذلك‭ ‬فتحت‭ ‬السلطات‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬خلال‭ ‬تواجد‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات‭ ‬وممثلي‭ ‬العالم‭ ‬لحضور‭ ‬قمة‭ ‬المناخ‭.‬ وهي‭ ‬كذلك‭ ‬رسالة‭ ‬للداخل‭ ‬الإماراتي،‭ ‬وللمعتقلين‭ ‬وأسرهم،‭ ‬بألا‭ ‬يثقوا‭ ‬في‭ ‬الدعم‭ ‬الدولي‭ ‬لقضاياهم،‭ ‬لأن‭ ‬الدولة‭ ‬ستظل‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬معهم‭ ‬بالصورة‭ ‬التي‭ ‬تراها‭ ‬الأنسب،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الالتزام،‭ ‬لا‭ ‬بالقانون‭ ‬الدولي‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬وبالقوانين‭ ‬الإماراتية‭ ‬أيضًا‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬الإمارات‭ ‬84 ،‭ ‬أضافت‭ ‬السلطات‭ ‬شخصين‭ ‬جديدين‭ ‬لقائمة‭ ‬المتهمين،‭ ‬هما‭ ‬أحمد‭ ‬منصور‭ ‬وناصر‭ ‬بن‭ ‬غيث،‭ ‬وكلاهما‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بقضية‭ ‬الإمارات‭ ‬94‭ .‬لكن‭ ‬اعتقلتهم‭ ‬السلطات‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬نشاطهما‭ ‬الحقوقي،‭ ‬ويقضيان‭ ‬حكمًا‭ ‬بالسجن‭ ‬لعشر‭ ‬سنوات،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬الحكم‭ ‬عليما‭ ‬في‭ ‬عامي ‬2017 ‬و 2018 ‬على‭ ‬التوالي‭. ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬السلطات‭ ‬أدرجتهم‭ ‬في‭ ‬القضية‭ ‬الجديدة‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬بقائهما‭ ‬معتقلين‭ ‬بعد‭ ‬قضاء‭ ‬عقوباتهما‭ ‬الحالية‭ ‬واستباقًا‭ ‬لأي‭ ‬ضغوط‭ ‬دولية‭ ‬محتملة‭ ‬للمطالبة‭ ‬بالإفراج‭ ‬عنهما‭ ‬لاحقًا‭.‬

 

وهل‭ ‬تمارس‭ ‬الإمارات‭ ‬عمليات‭ ‬قمع‭ ‬عابرة‭ ‬للحدود‭ ‬لاستهداف‭ ‬الناشطين‭ ‬الموجودين‭ ‬خارج‭ ‬الدولة؟

يمكن‭ ‬القول‭ ‬بثقة‭ ‬إنه‭ ‬بعد‭ ‬اعتقال‭ ‬أحمد‭ ‬منصور،‭ ‬لم‭ ‬يتبق‭ ‬أي‭ ‬نشطاء‭ ‬داخل‭ ‬الإمارات‭ ‬خارج‭ ‬السجن‭.‬ فقد‭ ‬أغلقت‭ ‬السلطات‭ ‬باعتقاله‭ ‬ملف‭ ‬الحقوقيين‭ ‬الإماراتيين‭ ‬تمامًا‭. ‬ثم‭ ‬وجهت‭ ‬الحكومة‭ ‬جهدها‭ ‬إلى‭ ‬النشطاء‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬حيث‭ ‬شمل‭ ‬ذلك‭ ‬إضافة‭ ‬4‭ ‬أشخاص‭ ‬إلى‭ ‬قائمة‭ ‬الإرهاب‭ ‬عام ‭ ،‬2021‬وكنت‭ ‬من‭ ‬بينهم‭.‬

تقوم‭ ‬الإمارات‭ ‬كذلك‭ ‬بتقييد‭ ‬حركة‭ ‬أهالي‭ ‬المتهمين‭ .‬إذ‭ ‬تمنع‭ ‬السلطات‭ ‬أسر‭ ‬المتهمين‭ ‬جميعًا‭ ‬من‭ ‬السفر‭ ‬خارج‭ ‬البلاد‭ .‬شخصيًا،‭‬ منعت‭ ‬السلطات‭ ‬والدتي‭ ‬وإخوتي‭ ‬وعائلة‭ ‬زوجتي‭ ‬من‭ ‬السفر،‭ ‬وتستمر‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬معهم‭ ‬كرهائن‭ ‬لإجباري‭ ‬والآخرين‭ ‬على‭ ‬العودة‭.‬

وفي‭ ‬حالة‭ ‬أخرى،‭ ‬سحبت‭ ‬السلطات‭ ‬الجنسية‭ ‬عن‭ ‬أسرة‭ ‬الدكتور‭ ‬المعتقل‭ ‬عبدالسلام‭ ‬درويش،‭ ‬أثناء‭ ‬وجودهم‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وأوقفت‭ ‬علاج‭ ‬ثلاثة‭ ‬من‭ ‬أبنائه‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يُعالجون‭ ‬على‭ ‬نفقة‭ ‬الدولة،‭ ‬وقد‭ ‬توفى‭ ‬أحد‭ ‬أبنائه‭ ‬عقب‭ ‬توقف‭ ‬علاجه‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬ وحتى‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬نجله،‭ ‬لم‭ ‬تسمح‭ ‬السلطات‭ ‬لدرويش‭ ‬بالاتصال‭ ‬بزوجته‭ ‬خارج‭ ‬البلاد‭ ‬لمواساتها‭ ‬وتعزيتها‭.‬

وتعرض‭ ‬أحد‭ ‬المتهمين‭ ‬الآخرين،‭ ‬وهو‭ أحمد‭ ‬النعيمي،‭ ‬الذي‭ ‬يقيم‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬أسرته‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬انتهاك‭ ‬مشابه،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تسمح‭ ‬السلطات‭ ‬لابنه‭ ‬المصاب‭ ‬بشلل‭ ‬كامل‭ ‬لمغادرة‭ ‬البلاد‭ ‬والانضمام‭ ‬لوالده‭.‬ وقد‭ ‬توفى‭ ‬داخل‭ ‬الإمارات‭ ‬وحُرم‭ ‬والداه‭ ‬من‭ ‬وداعه‭.‬

تستمر‭ ‬هذه‭ ‬المضايقات‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬التشهير‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وترهيب‭ ‬دوائرنا‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬امتناع‭ ‬الأصدقاء‭ ‬والمعارف‭ ‬عن‭ ‬لقاء‭ ‬النشطاء‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬بل‭ ‬والتخوف‭ ‬من‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الشارع‭ ‬الذي‭ ‬نسير‭ ‬فيه‭ ‬خشية‭ ‬التقاط‭ ‬صورة‭ ‬قد‭ ‬تجمعهم‭ ‬بأحد‭ ‬النشطاء،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يُستخدم‭ ‬ضدهم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬السلطات‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لاحق‭.‬

علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬استطاعت‭ ‬الحكومة‭ ‬الإماراتية‭ ‬التأثير،‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬المدافعين‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬وعلى‭ ‬حكومات‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬يقيم‭ ‬بها‭ ‬هؤلاء‭ ‬المدافعون‭ ‬والنشطاء‭.‬ فمثلًا،‭ ‬مع‭ ‬تحسن‭ ‬علاقة‭ ‬الحكومة‭ ‬الإماراتية‭ ‬ببعض‭ ‬الدول،‭ ‬والتخطيط‭ ‬لاستثمارات‭ ‬ضخمة‭ ‬فيها،‭ ‬تشترط‭ ‬الإمارات‭ ‬على‭ ‬حكومات‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬إسكات‭ ‬منتقديها‭. ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬دولة‭ ‬قطر‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الناشطة آلاء‭ ‬الصديق‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬الدوحة‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة‭ ‬بسبب‭ ‬الضغوط‭ ‬الإماراتية،‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬الأردن‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الدكتور‭ ‬خلف‭ ‬الرميثي‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬ترحيله‭ ‬إلى‭ ‬الإمارات‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يُضاف‭ ‬اسمه‭ ‬إلى‭ ‬قضية‭ ‬الإمارات ‭ ‬ .84‬

وقد‭ ‬أصبح‭ ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬جزءًا‭ ‬أصيلًا‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬القمع‭ ‬الإماراتية،‭ ‬ففي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬فيه‭ ‬الدولة‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المعارضين‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر،‭ ‬قررت‭ ‬ربط‭ ‬استثماراتها‭ ‬وشراكاتها‭ ‬الدولية،‭ ‬بمدى‭ ‬قدرة‭ ‬شركائها‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬على‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬منتقدي‭ ‬الإمارات‭.‬

وقد‭ ‬حاولت‭ ‬الإمارات‭ ‬استخدام‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬بريطانيا،‭ ‬بوسائل‭ ‬مثل‭ ‬تعطيل‭ ‬صفقات‭ ‬النفط‭ ‬والغاز،‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬النتيجة‭.‬

 

لقد‭ ‬كنتَ‭ ‬تعمل‭ ‬مع‭ ‬مجتمع‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬لحشد‭ ‬التضامن‭ ‬الدولي‭ ‬مع‭ ‬ضحايا‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الحقوقية‭ ‬في‭ ‬الإمارات‭ ‬لمدة‭ ‬تقارب‭ ‬العام‭. ‬ما‭ ‬هي‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬واجهتموها؟‭ ‬وهل‭ ‬حصلتم‭ ‬على‭ ‬التضامن‭ ‬الذي‭ ‬كنتم‭ ‬ترجونه؟

قبيل‭ ‬قمة‭ ‬المناخ،‭ ‬كنا‭ ‬نسعى‭ ‬لتحقيق‭ ‬هدفين،‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬التضامن‭ ‬الحقوقي‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحقوقية‭ ‬العالمية،‭ ‬وقد‭ ‬حصلنا‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات،‭ ‬ولذلك‭ ‬فكل‭ ‬المنظمات‭ ‬التي‭ ‬تواصلنا‭ ‬معها‭ ‬تستحق‭ ‬الشكر‭ ‬على‭ ‬الدعم‭ ‬الهائل‭ ‬التي‭ ‬قدمته‭ ‬لنا‭. ‬ظهر‭ ‬هذا‭ ‬الدعم‭ ‬في‭ ‬بيانات‭ ‬التضامن‭ ‬التي‭ ‬كُتبت‭ ‬بشكل‭ ‬مشترك،‭ ‬ومساعدتنا‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬الوعي‭ ‬بالقضايا‭ ‬الحقوقية‭ ‬في‭ ‬الإمارات،‭ ‬والتواصل‭ ‬مع‭ ‬حكومات‭ ‬العالم‭ ‬ومطالبتها‭ ‬باتخاذ‭ ‬مواقف‭ ‬لدعم‭ ‬قضايا‭ ‬حرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير‭ ‬والتجمع‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬

ارتبط‭ ‬الهدف‭ ‬الثاني‭ ‬بالمؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬والفاعلين‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الدول،‭ ‬مثل‭ ‬الوفود‭ ‬الممثلة‭ ‬للحكومات‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬المناخ‭.‬ وكنا‭ ‬نأمل‭ ‬أن‭ ‬تتبنى‭ ‬هذه‭ ‬الوفود‭ ‬القضايا‭ ‬الحقوقية‭ ‬العادلة‭ ‬في‭ ‬الإمارات،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬الوفود‭ ‬لم‭ ‬تتبن‭ ‬قضايانا‭ ‬بالشكل‭ ‬المطلوب‭ ‬أو‭ ‬المأمول‭ ‬والمتوقع‭.‬ لقد‭ ‬بذلنا،‭ ‬بجانب‭ ‬المنظمات‭ ‬الحقوقية‭ ‬الأخرى،‭ ‬مجهودًا‭ ‬كبيرًا،‭ ‬في‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬والحكومات،‭ ‬لكن‭ ‬كان‭ ‬التفاعل‭ ‬من‭ ‬جانبهم‭ ‬دون‭ ‬المستوى‭.‬

لم‭ ‬تستجب‭ ‬حكومة‭ ‬الإمارات‭ ‬مطلقًا‭ ‬لرسائل‭ ‬المقررين‭ ‬الخواص‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬ولا‭ ‬لطلبات‭ ‬الزيارة‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للسجون‭ ‬أو‭ ‬للدولة‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬ولم‭ ‬تتفاعل‭ ‬مع‭ ‬دعوات‭ ‬الإصلاح‭. ‬والمفارقة‭ ‬هنا،‭ ‬أن‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬شهد‭ ‬أيضًا‭ ‬الاستعراض‭ ‬الدوري‭ ‬الشامل‭ ‬لوضع‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الإمارات‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬مايو‭/‬أيار،‭ ‬حيث‭ ‬أعربت‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬عن‭ ‬حق‭ ‬عن‭ ‬مخاوفها‭ ‬بشأن‭ ‬مستوى‭ ‬انتهاكات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الإمارات‭.‬ فمثلًا‭ ‬طالب‭ ‬وفد‭ ‬هولندا‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بالإفراج‭ ‬عن‭ ‬المعتقلين‭ ‬الإماراتيين،‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬يصدر‭ ‬من‭ ‬وفد‭ ‬الدولة‭ ‬أي‭ ‬تعليق‭ ‬على‭ ‬الحالة‭ ‬الحقوقية‭ ‬أثناء‭ ‬انعقاد‭ ‬مؤتمر‭ ‬قمة‭ ‬المناخ‭ .‬وكذلك‭ ‬تبنت‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬مطالبات‭ ‬مشابهة‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬الأوروبي،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬لم‭ ‬تقدم‭ ‬نفس‭ ‬الدعم‭ ‬أثناء‭ ‬مشاركتها‭ ‬في‭ ‬القمة‭.‬

 

هل‭ ‬أثرت‭ ‬هذه‭ ‬الفعاليات‭ ‬على‭ ‬سياسات‭ ‬الحكومة‭ ‬الإماراتية،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬ظروف‭ ‬المعتقلين‭ ‬وأسرهم،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬تسهيل‭ ‬مشاركة‭ ‬الصحفيين‭ ‬والنشطاء‭ ‬والمدافعين‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وممثلي‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬ومجموعات‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬المناخ؟

لم‭ ‬تقدم‭ ‬الإمارات‭ ‬أي‭ ‬بوادر‭ ‬لتحسين‭ ‬أوضاع‭ ‬المعتقلين،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس،‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬يونيو‭/‬حزيران،‭ ‬قامت‭ ‬السلطات‭ ‬بنقل‭ ‬كل‭ ‬المعتقلين‭ ‬إلى‭ ‬سجون‭ ‬سرية،‭ ‬واستمر‭ ‬ذلك‭ ‬طوال‭ ‬الفترة‭ ‬التحضيرية‭ ‬لمؤتمر‭ ‬المناخ‭ ‬وحتى‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬ديسمبر‭/‬كانون‭ ‬الأول‭ .‬وفي‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬وصلتنا‭ ‬رسائل‭ ‬متباينة‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬الإماراتي،‭ ‬إذ‭ ‬قال‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬المعتقلين‭ ‬يمرون‭ ‬بفترة‭ ‬مناصحة‭ ‬مكثفة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الإفراج‭ ‬عنهم‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الوطني‭ ‬للإمارات‭ ‬في‭ ‬2‭ ‬ديسمبر‭/‬كانون‭ ‬الثاني،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الإخفاء‭ ‬القسري‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إجراء‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التحقيقات‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬رقابة،‭ ‬وهذا‭ ‬تم‭ ‬مباشرة‭ ‬بعد‭ ‬توصيات‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬قدمتها‭ ‬خلال‭ ‬الاستعراض‭ ‬الدوري‭ ‬الشامل‭ ‬حول‭ ‬كيفية‭ ‬تحسين‭ ‬أوضاع‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬

إنّ‭ ‬الإمارات‭ ‬دولة‭ ‬قوية،‭ ‬ولديها‭ ‬موارد‭ ‬هائلة،‭ ‬وحكومة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التأثير‭ ‬الدولي‭ ‬الاستراتيجي‭ .‬تمتلك‭ ‬أبوظبي‭ ‬شبكة‭ ‬علاقات‭ ‬هائلة‭ ‬تضم‭ ‬مؤثرين‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬السياسات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬تقريبًا‭.‬ ولهذا‭ ‬فلم‭ ‬تتأثر‭ ‬كثيرًا‭ ‬بالتوصيات‭ ‬الدولية‭ ‬حول‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭.‬ لقد‭ ‬اعتقد‭ ‬الكثيرون‭ ‬أن‭ ‬الإمارات‭ ‬سترسل‭ ‬رسالة‭ ‬إيجابية‭ ‬للعالم‭ ‬بالإفراج‭ ‬عن‭ ‬المعتقلين‭ ‬مثل‭ ‬أحمد‭ ‬منصور‭ ‬ومحمد‭ ‬الركن‭ ‬وناصر‭ ‬بن‭ ‬غيث،‭ ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬الإمارات‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬أن‭ ‬ترسل‭ ‬رسائل‭ ‬إيجابية‭ ‬للعالم‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الدعم‭ ‬غير‭ ‬المشروط‭ ‬الذي‭ ‬تحصل‭ ‬عليه‭ ‬الحكومة‭ ‬من‭ ‬شركائها‭ ‬الدوليين‭.‬

أما‭ ‬بخصوص‭ ‬الصحفيين‭ ‬والنشطاء‭ ‬البيئيين‭ ‬والمدافعين‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬بإمكان‭ ‬السلطات‭ ‬الإماراتية‭ ‬منع‭ ‬مشاركتهم‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬المناخ‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬حال،‭ ‬لكن‭ ‬تحكمت‭ ‬هذه‭ ‬السلطات‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬في‭ ‬الأنشطة‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬خلال‭ ‬مؤتمر‭ ‬قمة‭ ‬المناخ‭.‬ بل‭ ‬إنّ‭ ‬مؤسسات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ذاتها‭ ‬رفضت‭ ‬السماح‭ ‬للمشاركين‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬المناخ‭ ‬بإقامة‭ ‬فعاليات‭ ‬للمطالبة‭ ‬بالإفراج‭ ‬عن‭ ‬معتقلي‭ ‬الرأي‭ ‬الإماراتيين،‭ ‬وأجبرت‭ ‬المشاركين‭ ‬على‭ ‬تأجيل‭ ‬هذه‭ ‬الفعاليات،‭ ‬بل‭ ‬وتحكمت‭ ‬في‭ ‬اللافتات‭ ‬المرفوعة،‭ ‬وما‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬الأشخاص‭ ‬والشعارات‭ ‬المطالبة‭ ‬بالإفراج‭ ‬عنهم‭. ‬يعتقد‭ ‬المجتمع‭ ‬الحقوقي‭ ‬أن‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬تصرفت‭ ‬بذلك‭ ‬الشكل‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬شروط‭ ‬وتعليمات‭ ‬السلطات‭ ‬الإماراتية،‭ ‬وهذا‭ ‬يؤكد‭ ‬على‭ ‬نفوذ‭ ‬الإمارات‭ ‬داخل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬ومنها‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭.‬

 

يضع‭ ‬قانون‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬الإماراتي،‭ ‬”القانون‭ ‬الاتحادي‭ ‬رقم‭ ‬34‭ ‬لسنة‭ ‬2021‭ ‬بشأن‭ ‬مكافحة‭ ‬الشائعات‭ ‬والجرائم‭ ‬الإلكترونية”،‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القيود‭ ‬على‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬التجمع‭ ‬السلمي‭ ‬وتكوين‭ ‬الجمعيات‭ .‬كيف‭ ‬أثر‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬النشطاء‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدني؟

فرض قانون الجرائم الإلكترونية، الذي صدرت أول نسخه قبل أكثر من عشر سنوات، الكثير من القيود على حرية التعبير، وعقوبات مشددة، سواء الحبس أو عقوبات مالية ضخمة (يصل بعضها إلى مليون درهم إمارتي، (270,000 دولار أمريكي)، وكلاهما في بعض الحالات. والآن، بدأت السلطات في تنفيذ أحدث نسخة من القانون لتقييد حرية التعبير لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.

لقد أثر هذا القانون على الإماراتيين بالفعل، ومن ضحاياه الدكتور ناصر بن غيث، الذي اعتُقل بعد نشره تغريدات تنتقد النظام المصري في أعقاب مذبحة رابعة العدوية. واتُهم بن غيث “بالإساءة العلنية” إلى قيادات الدولة، قبل أن يُلقى به في السجن لعشر سنوات. كذلك أمينة العبدولي، نشرت تغريدات عن الثورة السورية في عام 2015 قبل أن يلقى القبض عليها ويتم تغريمها 500,000 درهم أو 136,000 دولار أمريكي.

وفي‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬في‭ ‬الإمارات‭ ‬ذات‭ ‬نطاق‭ ‬محدود‭ ‬للغاية‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬تطبيق‭ ‬هذا‭ ‬القانون،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬هناك‭ ‬نظريًا‭ ‬مساحة‭ ‬ضئيلة‭ ‬لممارسة‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ .‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬صدور‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬تم‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬هامش‭ ‬من‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭.‬

تجاوز‭ ‬هذا‭ ‬التحكم‭ ‬بالمواطنين‭ ‬إلى‭ ‬المقيمين‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الإماراتيين‭.‬ على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬نشرت‭ ‬مقيمة‭ ‬أجنبية‭ ‬كتابات‭ ‬تسخر‭ ‬من‭ ‬ممارسات‭ ‬لبعض‭ ‬الإماراتيين،‭ ‬فتم‭ إلقاء‭ ‬القبض‭ ‬عليها‭ ‬واتهامها‭ ‬بالإساءة‭ ‬إلى‭ ‬رجال‭ ‬الإمارات‭ ‬والعاملين‭ ‬المحليين،‭ ‬وتم‭ ‬الحكم‭ ‬عليها‭ ‬بالسجن‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬تقضي‭ ‬عقوبتها‭ ‬سيتم‭ ‬إبعادها‭ ‬من‭ ‬الدولة‭. ‬وتكرر‭ الأمر‭ ‬مع‭ ‬مقيم‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬إحدى‭ ‬الجنسيات‭ ‬الآسيوية،‭ ‬الذي‭ ‬نشر‭ ‬مقاطع‭ ‬فيديو‭ ‬ساخرة‭ ‬تعلق‭ ‬على‭ ‬معدلات‭ ‬إنفاق‭ ‬الإماراتيين،‭ ‬ليتم‭ ‬حبسه‭ ‬كذلك‭.‬

والجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬ضحايا‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬المثير‭ ‬للجدل‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬إطلاق‭ ‬سراحهم‭ ‬بعد‭ ‬قضاء‭ ‬عقوباتهم‭ ‬بالسجن‭.‬ ففي‭ ‬حالة‭ ‬أمينة‭ ‬العبدولي،‭ ‬فقد‭ ‬سُجنت‭ ‬في ‭ ‬،2015وقضت‭ ‬فترة‭ ‬اختفاء‭ ‬قسري‭ ‬تجاوزت‭ ‬السنة‭ ‬تقريبًا‭ ‬في‭ ‬مقرات‭ ‬احتجاز‭ ‬سرية،‭ ‬وبعدها‭ ‬حُكم‭ ‬عليها‭ ‬بالسجن‭ ‬بخمس‭ ‬سنوات‭ ‬ونُقلت‭ ‬إلى‭ ‬سجن‭ ‬الوثبة‭. ‬وفي‭ ‬السجن‭ ‬الجديد،‭ ‬استطاعت‭ ‬العبدولي‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬الخارجي‭ ‬ونشر‭ ‬بعض‭ ‬التسجيلات‭ ‬عن‭ ‬أوضاع‭ ‬المعتقلات‭ ‬والسجون،‭ ‬وقامت‭ ‬بإجراء‭ ‬مكالمات‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬السجينات‭ ‬الأخريات‭ ‬وأرسلت‭ ‬مقاطع‭ ‬فيديو‭ ‬لمؤسسات‭ ‬حقوقية‭ ‬وأممية‭ ‬لتوثيق‭ ‬الانتهاكات‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬لها‭.‬ اعتبرت‭ ‬الإمارات‭ ‬هذه‭ ‬الرسائل‭ ‬إساءة‭ ‬لسمعة‭ ‬الدولة،‭ ‬وحوكمت‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬ليُحكم‭ ‬عليها‭ ‬بالسجن‭ ‬لثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬إضافية،‭ ‬انتهت‭ ‬في‭ ‬91‭ ‬نوفمبر، ‬2023 ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬تفرج‭ ‬عنها‭ ‬السلطات‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭.‬

وأمينة‭ ‬العبدولي‭ ‬ليست‭ ‬الوحيدة‭. ‬فقد‭ ‬اعتقلت‭ ‬السلطات‭ ‬أيضًا‭ مريم‭ ‬البلوشي،‭ ‬وحكمت‭ ‬عليها‭ ‬بثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬إضافية‭ ‬بنفس‭ ‬التهم،‭ ‬ولم‭ ‬يتم‭ ‬الإفراج‭ ‬عنها‭ ‬رغم‭ ‬انتهاء‭ ‬مدة‭ ‬محكوميتها‭.‬

ومع‭ ‬ذكر‭ ‬الانتهاكات‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬ضد‭ ‬النساء‭ ‬المعتقلات‭ ‬في‭ ‬الإمارات،‭ ‬لا‭ ‬ننسى‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬علياء‭ ‬عبد‭ ‬النور،‭ ‬التي‭ ‬توفيت‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬بسبب‭ ‬الإهمال‭ ‬الطبي‭ ‬وعدم‭ ‬توفير‭ ‬علاج‭ ‬السرطان‭ ‬اللازم‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬حياتها‭.

وثّقت‭ ‬المؤسسات‭ ‬الصحفية‭ ‬والمنظمات‭ ‬الحقوقية‭ ‬عمليات‭ ‬الرقابة‭ ‬والتجسس‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬حكومة‭ ‬الإمارات،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أدوات‭ ‬مسح‭ ‬الوجه‭ ‬والعين‭ ‬ومراقبة‭ ‬الاتصالات‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت‭ .‬كيف‭ ‬أثرت‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬على‭ ‬حرية‭ ‬وأمان‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬المناخ؟‭ ‬وهل‭ ‬أثرت‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬على‭ ‬الفعاليات‭ ‬والنقاشات‭ ‬خلال‭ ‬المؤتمر؟

تمارس‭ ‬السلطات‭ ‬في‭ ‬الإمارات‭ ‬الرقابة‭ ‬والتجسس‭ ‬على‭ ‬المدافعين‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬ومنتقدي‭ ‬الحكومة‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ .‬ففي‭ ‬عام‭ ‬2008‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬قامت‭ ‬الحكومة‭ ‬الإماراتية‭ ‬بتحميل‭ ‬برامج‭ ‬تجسس‭ ‬لاختراق‭ ‬كل‭ ‬مستخدمي‭ ‬هواتف‭ ‬”بلاكبيري”‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬بمساعدة‭ ‬من‭ ‬شركات‭ ‬الاتصالات‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬ وهذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬عقلية‭ ‬الأخ‭ ‬الأكبر‭ (‬The Big Brother‭) ‬التي‭ ‬تتبناها‭ ‬الإمارات،‭ ‬فهي‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬المواطنين‭ ‬باعتبارهم‭ ‬مواضيع‭ ‬للمراقبة،‭ ‬ويتم‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬باستمرار‭ ‬من‭ ‬خلال‭ المنشورات‭ ‬شبه‭ ‬الرسمية،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬ينشرها‭ ‬المؤثرون‭ ‬المقربون‭ ‬من‭ ‬النخبة‭ ‬الحاكمة‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬والتي‭ ‬توصل‭ ‬رسائل‭ ‬للمواطنين‭ ‬مفادها‭:‬ “انتبهوا‭.. ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬تحت‭ ‬الرقابة‭!‬”

كذلك‭ ‬تستخدم‭ ‬الإمارات‭كاميرات‭ ‬عين‭ ‬الصقر‭ (Falcon Eye) ‬والتي‭ ‬وُضعت‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شارع‭ ‬في‭ ‬الدولة،‭ ‬والتي‭ ‬يبرر‭ ‬وجودها‭ ‬بملاحقة‭ ‬الجريمة‭.‬ لكن‭ ‬هذه‭ ‬الكاميرات‭ ‬شديدة‭ ‬التطور‭ ‬والتعقيد‭ ‬التقني،‭ ‬فمن‭ ‬خلالها‭ ‬يمكن‭ ‬استخدام‭ ‬تقنيات‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬الوجوه‭ ‬ووسائل‭ ‬أخرى‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬بيانات‭ ‬تفصيلية‭ ‬حول‭ ‬المواطنين‭ ‬والمقيمين‭.‬

ولا‭ ‬تتوقف‭ ‬انتهاكات‭ ‬الإمارات‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬البلاد،‭ ‬فهي‭ ‬تقوم‭ ‬باستخدام‭ ‬نفس‭ ‬أدوات‭ ‬الرقابة‭ ‬ضد‭ ‬المسؤولين‭ ‬والنشطاء‭ ‬والحقوقيين‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬العالم‭ .‬شخصيًا،‭ ‬أقوم‭ ‬بتغيير‭ ‬الهاتف‭ ‬باستمرار،‭ ‬لأننا‭ ‬نتذكر‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬مع‭ ‬الناشطة‭ ‬الراحلة‭آلاء‭ ‬الصديق،‭ ‬التي‭ ‬اختُرق‭ ‬هاتفها‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تطبيق‭ ‬بيغاسوس‭ ‬أثناء‭ ‬إقامتها‭ ‬في‭ ‬بريطانيا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬آخر‭ ‬عندما‭ ‬قام‭ ‬حاكم‭ ‬دبي‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬راشد‭ ‬آل‭ ‬مكتوم‭ ‬باستخدام‭ ‬برنامج‭ ‬بيغاسوس‭ لاختراق‭ ‬هاتف‭ ‬زوجته‭ ‬السابقة‭.‬ فقد‭ ‬أصبح‭ ‬التجسس‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬العقلية‭ ‬الإماراتية،‭ ‬ولا‭ ‬يتم‭ ‬استخدامه‭ ‬للدوافع‭ ‬السياسية‭ ‬فقط‭.‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬لحرية‭ ‬وأمان‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬قمة‭ ‬المناخ،‭ ‬فثمة‭ ‬تهديد‭ ‬حقيقي‭ ‬بهذا‭ ‬الصدد‭. ‬إذ‭ ‬تحتفظ‭ ‬الإمارات‭ ‬بكم‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬البيانات‭ ‬حول‭ ‬الفاعلين‭ ‬والمؤثرين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬بالعالم،‭ ‬وقد‭ ‬سمح‭ ‬عقد‭ ‬مؤتمر‭ ‬قمة‭ ‬المناخ‭ ‬في‭ ‬الإمارات‭ ‬للدولة‭ ‬بتوسيع‭ ‬هذه‭ ‬القاعدة‭ ‬من‭ ‬البيانات‭ ‬لتشمل‭ ‬كل‭ ‬المؤثرين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬المناخ‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي‭.‬ إذ‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬بثقة‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬الإماراتية‭ ‬تحتفظ‭ ‬الآن‭ ‬بمعلومات‭ ‬المشاركين‭ ‬ومن‭ ‬رغبوا‭ ‬في‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬قمة‭ ‬المناخ،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬معلوماتهم‭ ‬الشخصية،‭ ‬وأرقام‭ ‬هواتفهم،‭ ‬وأنواع‭ ‬أجهزة‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬والهاتف‭ ‬التي‭ ‬يستخدمونها،‭ ‬وبيانات‭ ‬جوازات‭ ‬سفرهم‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬أي‭ ‬قوانين‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬الخصوصية‭ ‬أو‭ ‬سلامة‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الفعاليات،‭ ‬تقوم‭ ‬الإمارات‭ ‬باستغلال‭ ‬هذه‭ ‬المعلومات‭ ‬لأغراض‭ ‬كثيرة،‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬المشاركين‭ ‬والمؤثرين‭ ‬للترويج‭ ‬لسردية‭ ‬الدولة‭ ‬الرسمية‭. ‬أنا‭ ‬أعتقد‭ ‬جازمًا‭ ‬أن‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ومؤسساتها‭ ‬أخطأت‭ ‬بشدة‭ ‬حين‭ ‬شاركت‭ ‬بيانات‭ ‬المشاركين‭ ‬ومعلوماتهم‭ ‬مع‭ ‬الحكومة‭ ‬الإماراتية‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬لأي‭ ‬ضمانات‭ ‬لحماية‭ ‬خصوصية‭ ‬المشاركين،‭ ‬وحتى‭ ‬غياب‭ ‬أي‭ ‬آلية‭ ‬لمحاسبة‭ ‬السلطات‭ ‬الإماراتية‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تسربت‭ ‬هذه‭ ‬البيانات‭ ‬أو‭ ‬استُخدمت‭ ‬لأغراض‭ ‬غير‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬خُصصت‭ ‬لها‭.‬

لقد‭ ‬تعرضتُ‭ ‬شخصيًا‭ ‬لموقف‭ ‬مشابه،‭ ‬فقد‭ ‬استخدم‭ ‬مغردون‭ ‬مقربون‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬الإماراتية‭ ‬بياناتي‭ ‬الشخصية‭ ‬وصورتي‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬الجوازات‭ ‬الحكومي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التشهير‭ ‬بي‭ ‬والهجوم‭ ‬عليّ‭.‬

 

في‭ ‬أعقاب‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يسميه‭ ‬الكثيرون‭ ‬”اللامبالاة‭ ‬الدولية”‭ ‬تجاه‭ ‬تزايد‭ ‬انتهاكات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬بيئة‭ ‬مواتية‭ ‬لنمو‭ ‬الاستبداد‭ .‬كيف‭ ‬ينعكس‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الحالة‭ ‬الإماراتية؟‭ ‬وكيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُسهم‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬تطلعات‭ ‬الإماراتيين‭ ‬وشعوب‭ ‬المنطقة‭ ‬إلى‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية؟

إنّ‭ ‬تجاهل‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬يبعث‭ ‬برسالة‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬قضايا‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وأن‭ ‬حياة‭ ‬الأطفال‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬أرخص‭ ‬من‭ ‬المطالبة‭ ‬بوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭.‬ وقد‭ ‬تجلى‭ ‬ذلك‭ ‬بوضوح‭ ‬في‭ ‬الانحياز‭ ‬ضد‭ ‬الضحايا‭ ‬وعدم‭ ‬الاكتراث‭ ‬بالعدد‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬الضحايا‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الذي‭ ‬أظهرته‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والحكومات‭ ‬في‭ ‬الغرب‭.‬ وينعكس‭ ‬هذا‭ ‬التجاهل‭ ‬في‭ ‬السياسات‭ ‬المتبعة‭ ‬تجاه‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬لديها‭ ‬سجل‭ ‬مليء‭ ‬بانتهاكات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬التعامل‭ ‬الدولي‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬النظرة‭ ‬الضيقة‭ ‬لمعظم‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬ويتجاهل‭ ‬التداعيات‭ ‬العنيفة‭ ‬للشعور‭ ‬بالظلم‭ ‬والقمع‭ ‬الممنهج‭.‬ ولقد‭ ‬رأيتُ‭ ‬مواطنين‭ ‬إماراتيين‭ ‬ينضمون‭ ‬إلى‭ ‬تنظيمات‭ ‬متشددة‭ ‬ويكفّرون‭ ‬المعارضين‭ ‬والنشطاء‭ ‬الحقوقيين‭ ‬قبل‭ ‬الحكومة‭.‬ والسبب‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬وصول‭ ‬هؤلاء‭ ‬لمرحلة‭ ‬من‭ ‬اليأس‭ ‬من‭ ‬إمكانية‭ ‬رفع‭ ‬الظلم‭ ‬عنهم‭ ‬عبر‭ ‬الطرق‭ ‬المشروعة‭ ‬ومن‭ ‬قدرة‭ ‬المؤسسات‭ ‬والقوانين‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬لهم‭ ‬ولقضاياهم،‭ ‬لذلك‭ ‬فمن‭ ‬المحزن،‭ ‬والخطير،‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬حكومات‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬ألمانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬يؤيدون‭ ‬المذبحة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تتجاهل‭ ‬فيه‭ ‬الحقوق‭ ‬الأساسية‭ ‬للإنسان،‭ ‬والتي‭ ‬ضمنها‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭. ‬بل‭ ‬الأخطر‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬هو‭ ‬اكتساب‭ ‬جماعات‭ ‬ومنظمات‭ ‬للشرعية،‭ ‬بسبب‭ ‬موقفها‭ ‬الرافض‭ ‬للحرب‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬مثل‭ ‬الدعم‭ ‬الذي‭ ‬بدأت‭ ‬جماعة‭ ‬أنصار‭ ‬الله‭ ‬الحوثية‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬قطاعات‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين،‭ ‬رغم‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الواسعة‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬سنوات‭.‬

من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬فإن‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الإبراهيمية،‭ ‬والتقارب‭ ‬الإماراتي‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬أعطى‭ ‬حصانة‭ ‬للإمارات‭ ‬لتجنب‭ ‬المحاسبة‭ ‬على‭ ‬انتهاكاتها‭ ‬في‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭.‬ فإسرائيل‭ ‬أصبحت‭ ‬من‭ ‬أنشط‭ ‬المدافعين‭ ‬عن‭ ‬الإمارات،‭ ‬وأحد‭ ‬ممثلي‭ ‬الدعاية‭ ‬الإماراتية‭ ‬حول‭ ‬العالم‭.‬ والأمر‭ ‬يسير‭ ‬في‭ ‬الاتجاهين،‭ ‬فمثلًا،‭ ‬ألغى‭ ‬البرلمان‭ ‬الأوروبي‭ ‬جلسة‭ ‬استماع‭ ‬كنتُ‭ ‬مشاركًا‭ ‬فيها‭ ‬قبيل‭ ‬مؤتمر‭ ‬قمة‭ ‬المناخ،‭ ‬بسبب‭ ‬الشكاوى‭ ‬الإماراتية،‭ ‬وربما‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬المنشورات‭ ‬التي‭ ‬كتبتها‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬رفضًا‭ ‬للانتهاكات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭.‬

 

ترغب‭ ‬الإمارات،‭ ‬مثل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬المنطقة،‭ ‬في‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬عضوًا‭ ‬فاعلًا‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬التزامات‭ .‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬استضافتها‭ ‬لواحد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬مؤتمرات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تتجاهل‭ ‬المخاوف‭ ‬التي‭ ‬أثارها‭ ‬الخبراء‭ ‬الأمميون‭ ‬حول‭ ‬الوضع‭ ‬الحقوقي‭ ‬للإمارات‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬.2013‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬لمجتمع‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الإمارات‭ ‬أن‭ ‬يسلط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التناقض،‭ ‬وأن‭ ‬يدفع‭ ‬الإمارات‭ ‬للالتزام‭ ‬بالقانون‭ ‬الدولي‭ ‬والاتفاقيات‭ ‬الدولية؟

إحدى‭ ‬المشكلات‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الإمارات،‭ ‬هو‭ ‬غياب‭ ‬الوعي‭ ‬الرسمي‭ ‬للأثر‭ ‬السلبي‭ ‬الذي‭ ‬تلعبه‭ ‬الإمارات‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭. ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬علينا‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬الوعي‭ ‬الذي‭ ‬تشكل‭ ‬بسبب‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬انتهاكات‭ ‬الإمارات‭ ‬أثناء‭ ‬مؤتمر‭ ‬قمة‭ ‬المناخ،‭ ‬وهذا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ينتج‭ ‬عنه‭ ‬مطالبات‭ ‬محددة،‭ ‬مثل‭:‬ عدم‭ ‬السماح‭ ‬للإمارات‭ ‬باستضافة‭ ‬مؤتمرات‭ ‬شبيهة‭ ‬قبل‭ ‬تعديل‭ ‬نظامها‭ ‬القانوني‭ ‬بما‭ ‬يكفل‭ ‬خصوصية‭ ‬المواطنين‭ ‬والمشاركين‭ ‬وسلامتهم،‭ ‬وإلغاء‭ ‬القيود‭ ‬على‭ ‬التجمع‭ ‬السلمي‭ ‬وحرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير،‭ ‬وأولًا‭ ‬وقبل‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬الإفراج‭ ‬عن‭ ‬معتقلي‭ ‬الرأي‭ ‬في‭ ‬الإمارات‭.‬

 

الخبير

حمد‭ ‬الشامسي‭ ‬ناشط‭ ‬حقوقي‭ ‬إماراتي،‭ ‬والمدير‭ ‬التنفيذي‭ ‬لمركز‭ ‬مناصرة‭ ‬معتقلي‭ ‬الإمارات‭. ‬ويعيش‭ ‬في‭ ‬المنفى‭ ‬الاختياري‭ ‬خارج‭ ‬الإمارات‭ ‬منذ‭ ‬عام ‭.‬2012 ‬وأثناء‭ ‬وجوده‭ ‬خارج‭ ‬الدولة،‭ ‬أُضيف‭ ‬اسمه‭ ‬إلى‭ ‬قضية‭ ‬معتقلي‭ ‬”الإمارات‭ ‬”94‬وحُكم‭ ‬عليه‭ ‬غيابيًا‭ ‬بالسجن‭ ‬لمدة‭ ‬15‭ ‬عامًا‭ .‬وردًا‭ ‬على‭ ‬قيام‭ ‬الشامسي‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬النشطاء‭ ‬الإماراتيين‭ ‬بتأسيس‭ ‬مركز‭ ‬مناصرة‭ ‬معتقلي‭ ‬الإمارات‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬،2021‭ ‬أضافته‭ ‬السلطات‭ ‬الإماراتية‭ ‬إلى‭ ‬قائمة‭ ‬الإرهاب‭ ‬بعد‭ ‬عدة‭ ‬أشهر‭. ‬وقد‭ ‬أضافته‭ ‬السلطات‭ ‬إلى‭ ‬قضية‭ ‬أخرى‭ ‬حُكم‭ ‬عليه‭ ‬فيها‭ ‬بالسجن‭ ‬لمدة‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬عامًا‭ ‬إضافية‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تضيفه‭ ‬مؤخرًا‭ ‬إلى‭ ‬قضية‭ ‬”الإمارات‭ ‬”84‭ ‬التي‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬فيها‭ ‬الحكم‭ ‬إما‭ ‬إلى‭ ‬السجن‭ ‬المؤبد‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الإعدام‭ .

المؤلف

عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬عياش‭ ‬هو‭ ‬مدير‭ ‬أول‭ ‬للبرامج‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬ديمقراطية‭ ‬الشرق‭ ‬الاوسط‭ .‬وهو‭ ‬صحفي‭ ‬وباحث‭ ‬ومترجم‭ ‬متمرس،‭ ‬حيث‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬الحركات‭ ‬الإسلامية‭ ‬والعلاقات‭ ‬المدنية‭ ‬العسكرية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ .‬وهو‭ ‬حاصل‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬الماجستير‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬العالمية،‭ ‬ومتخصص‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬أفريقيا‭ .‬شارك‭ ‬عياش‭ ‬في‭ ‬تأليف‭ ‬كتاب‭ ‬”الأواصر‭ ‬الممزقة‭ :‬الأزمة‭ ‬الوجودية‭ ‬للإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬(2023) “22‭-‬2013‭ ‬وقد‭ ‬ترجم‭ ‬ثلاثة‭ ‬كتب‭ ‬عن‭ ‬العلاقات‭ ‬المدنية‭ ‬العسكرية‭ ‬والإخوان‭ ‬المسلمين‭. ‬

شكر‭ ‬و‭ ‬عرفان

يشكر‭ ‬المؤلفون‭ ‬مؤسسة‭ ‬هاينريش‭ ‬بول،‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬العاصمة،‭ ‬لدعمها‭ ‬لهذا‭ ‬المنشور‭.‬