ورقة سياسات من “مركز الديموقراطية في الشرق الأوسط”

الانتخابات الرئاسية في تونس

ملخـص

. يفترض أن تجري الانتخابات الرئاسية في تونس في السادس من أكتوبر/تشرين الأول في جو من القمع يستحيل معه أن يكون الاقتراع

. هيمنة الرئيس قيس سعيد على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات حصرت عدد من سُمح بترشيحهم في ثلاثة، بينهم الرئيس الحالي، بينما يقبع كثير من المعارضين السياسيين في السجن بعدما وجهت إليهم تهم مريبة، أو منعوا من الترشح 

. يدعو كثير من التونسيين إلى مقاطعة الاقتراع بسبب غياب الحريات السياسية والمدني

. على السلطات التونسية الإقلاع عن قمع المعارضة السياسية والمجتمع المدني والإعلام والإفراج فورا عن كل من اعتقل تعسفيا لممارسته حقه في حرية التعبير

مقدمـــة

في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 2024، سيتوجه التونسيون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيسهم القادم للمرة الثالثة منذ الإطاحة بالديكتاتور السابق زين العابدين بن علي في 14 يناير/كانون الثاني 2011. سيكون الاقتراع أيضا المرة الأولى التي ينتخب فيها التونسيون رئيسا منذ سيطر الرئيس قيس سعيد على السلطة في 2021، لتدخل التجربة الديموقراطية التونسية مرحلة حرجة.

تقدم ورقة السياسات هذه جردا عاما لسياق القمع الذي تنظم فيها انتخابات 2024 الرئاسية، والتي عكّرها اعتقال المعارضين السياسيين، والقيود المفروضة على الإعلام والقمعُ الذي أُنزل بالمجتمع المدني. تقدم الورقة أيضا توصيات بشأن الخطوات التي على حكومة تونس الإقدام عليها لإنهاء اعتدائها على حرية التعبير، والسماح بالنقاش العام التعددي، وإحياء التعدد السياسي.

ستنظم انتخابات تونس الرئاسية في مناخ من القمع هو الأسوأ منذ ثورة 2011. لم يعطل فقط الانتقال الديموقراطي في تونس منذ 25 يوليو/تموز 2021 عندما أعلن الرئيس سعيد حالة الطوارئ وألغى دستور 2014، وعلق البرلمان، بل إن تونس جددت عهدها مع الحقبة السلطوية. في 2022، أقرّ سعيد على عجل دستورًا جديدا أضعف كثيرا الجهاز التشريعي وقسم البرلمان إلى غرفتين، هما مجلس نواب الشعب (الغرفة السفلى) والمجلس الوطني للجهات والأقاليم (الغرفة العليا)، وقد جرى انتخاب مجلس نواب الشعب في 2022 بنسبة مشاركة رسمية لم تتعدَّ 12%. 

أقر سعيد أيضا تشريعات تقيد حرية التعبير والحوار. تشمل هذه التشريعات المرسوم 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، والذي زرع الخوف في المنظمات الإعلامية والصحفيين والناشطين السياسيين والمحامين ومنظمات المجتمع المدني التونسي. بموجب هذا المرسوم، سجن عشرات الأشخاص بعدما عبروا عن آراء اعتبرتها السلطات مسيئة إلى شخص الرئيس ووزراء الحكومة ومفوضية الانتخابات، أو مؤسسات أخرى في الدولة. مُرر المرسوم رقم 54 أيضا لإخراس النقاش السياسي الجدي في شأن انتخابات الرئاسة.

على عكس انتخابات 2014 و2019 الرئاسيتين، فإن اللجنة الانتخابية في تونس، ممثلة في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، لم تعد مستقلة بعدما أصدر سعيد مرسوما في 2022 يمنحه صلاحية استبدال أغلب أعضائها. وقد رفعت المفوضية (التي تعد سبعة أعضاء جميعهم عينهم سعيد) شكاوى إلى النائب العام ورفضت ملفات أغلب المرشحين المحتملين الذين عبروا عن نيتهم في التقدم للسباق الرئاسي. لم تقر الهيئة في النهاية إلا ملفات ثلاثة مرشحين بينهم الرئيس الحالي سعيد وزهير المغزاوي الأمين العام لحركة الشعب والعياشي زمال رئيس حركة “عازمون” والقابع في السجن حاليا. كنتيجة لذلك، يطالب كثير من التونسيين بمقاطعة الانتخابات بعدما تبين أنها لن تكون نزيهة.

القيود القانونية والإدارية والأمنية المسلطة على المرشحين

على عكس انتخابات 2014 و 2019 الرئاسيتين، يتوقع أن تجري هذه الانتخابات في مناخ من القمع السياسي أسوأ كثيرا من السابق، وأُضعف وقُوض فيه نظامُ التعدد السياسي. الانتخابات تأتي في أعقاب سلسلة محاكمات واعتقالات طالت شخصيات بارزة بينها عبير موسى إحدى أهم وجوه المعارضة ورئيسة الحزب الدستوري الحر، ولطفي المرايحي رئيس الاتحاد الشعبي الجمهوري، وغازي الشواشي الأمين العام السابق لحزب التيار الديموقراطي، وعصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري.

وفي تصعيد آخر، سُجن العياشي زمال أحد ثلاثة مرشحين أجيزت ملفاتهم لمنافسة سعيد في الانتخابات، بتهمة دفع رشى للحصول على تزكيات المواطنين.

بعدما عيّن سعيد أعضاء جددا في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في 2022، تقدمت الهيئة بشكاوى قانونية ضد العديد من السياسيين والناشطين ممن انتقدوا أسلوب تنظيمها استفتاءَ يوليو/تموز 2022 وانتخابات 2022-2023 التشريعية.

الانحياز السافر للهيئة العليا المستقلة للانتخابات بلغ حد رفض الالتزام بقرارات ملزمة أصدرتها المحكمة الإدارية قضت بالسماح لثلاثة مرشحين إضافيين بالتقدم للانتخابات الرئاسية، بعدما ألغت مفوضية الانتخابات ترشيحهم سابقا. وكانت الجلسة العامة للمحكمة الإدارية (وهي أعلى هيئة قضاء إداري في تونس) أصدرت أحكاما في 27 و28 و30 أغسطس/آب الماضي قضت بإعادة تثبيت ترشيح عبد اللطيف المكي ومنذر الزنايدي وعماد الدايمي، لكن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات رفضت تطبيق الأحكام ونشرت في 2 أيلول قائمة نهائية ضمت ثلاثة مرشحين قبلت ملفاتهم هم قيس سعيد وزهير المغزاوي والعياشي زمال.

الهيئة العليا المستقلة للانتخابات غيرت أيضا بشكل أحادي، ومن دون سلطة قانونية تخولها ذلك، شروط الترشح المتعلقة بالسن والجنسية ووثيقة السوابق العدلية، واعتمدت لتسويغ ذلك على دستور 2022، رغم أن المادة 89 من دستور تونس تنص على أن شروط الترشيح ينظمها قانون الانتخابات الذي لم يعدل بعد سريان دستور 2022.

ولم تكتف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بقمع المرشحين المحتملين ورفض الانصياع لقرارات المحكمة الإدارية، بل تجاهلت أيضا انتهاكات ضلعت فيها حملة سعيد مثل استخدامه موارد الدولة لأغراض الدعاية لنفسه سياسيا. بين أبرز هذه الانتهاكات إعلان سعيد ترشحه على الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية على منصة فيسبوك، ونشر جولات ميدانية كجزء من حملته الانتخابية وتسجيلاتٍ تظهره وهو يتعهد بعدم تسليم السلطة “إلى الخونة والعملاء”، وتظهر أيضا مواطنين وهم يزكون ترشحيه.

إن إساءة استخدام الموارد العامة ينتهك مبادئ الإنصاف الأساسية كما يقتضيها السباق الانتخابي، ناهيك عن أنها إمعان في تشويه اقتراع تُقيَّد فيه أصلا نشاطات منافسي الرئيس، ويسجن فيه الصحفيون، وتُهدّدُ فيه وسائل الإعلام بالملاحقة بسبب خطها التحريري. لقد جيّر سعيد أيضا بقية مؤسسات الدولة، وبينها وزارة الداخلية، للنيل من منافسيه وتقويض نزاهة الاقتراع. وعلى سبيل المثال، تلكأت الوزارة في تزويد المترشحين بصحيفة سوابقهم القضائية اللازمة لاستيفاء ملفات الترشح. وقد شجب عدد من المرشحين، بينهم عبير موسي وعماد الدايمي وعبد اللطيف المكي ومنذر الزنايدي، هذه الممارسات ونددوا بإقدام الوزارة على مطالبتهم “دون وجه قانوني” بوثائق إضافية بعدما تقدموا لاستخراج صحيفة السوابق القضائية الخاصة بهم.

بل وصل الأمر حد منع “حركة الشعب”، التي سمّت أمينها العام زهير الغزاوي مرشحا في الانتخابات، من التئام اجتماعها الحزبي في 25 أغسطس/آب. وقد اتهم بيان للحزب قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية بمنع أعضاء الحزب من استكمال تحضيرات اللقاء.

إضعاف المجتمع المدني

مع اقتراب موعد الانتخابات، قُيدت إلى أبعد حد نشاطات مؤسسات المجتمع المدني، بما فيها الجمعيات ووسائل الإعلام والهيئات التنظيمية المستقلة.

يواجه المجتمع المدني في تونس أشرس حملة قمع منذ ثورة 2011. لقد دأب سعيد وبعض أعضاء البرلمان على اتهام المنظمات التي تتلقى تمويلا خارجيا بتقويض السيادة الوطنية. بل إن السلطات التونسية أقدمت على سجن ناشطين يدافعون عن حقوق المهاجرين واللاجئين بزعم تبييض الأموال والضلوع في نشاطات إجرامية وتهديد السلامة الترابية لتونس.

وقد قاضت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مؤخرا منظمة “أنا يقظ” التي تناضل من أجل محاربة الفساد بسبب نشرها استطلاعات رأي خلال فترة الانتخابات. وتزعم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أن المنظمة نشرت تقريرا لا يصنف فنيا في خانة استطلاع الرأي، بعدما تطرق إلى وعود انتخابية وفّى بها سعيد، وأخرى أخفق في تجسيدها.

أما في مجال الإعلام، فقد جرى منع أحزاب معارضة وسياسيين من الظهور في التلفزيون العمومي الذي انقلب بوقا من أبواق حكومة سعيد. تعرض للملاحقة أيضا صحفيون ومعلقون بارزون انتقدوا المسار السياسي في البلاد.

وفي السياق نفسه، منحت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نفسها سلطة مراقبة الإعلام التونسي، رغم افتقادها المواردَ البشرية والفنية التي يتطلبها تدقيق التغطية الإعلامية للاقتراع.

وقد حولت هذه الممارسات الهيئة إلى جهاز عقابي يرهب وسائل الإعلام والصحفيين بمقاضاتهم أمام المحاكم، وتوجيه إنذارات إلى وسائل الإعلام لسماحها بالانتقاد السياسي رغم أنه محمي بنص الدستور الذي يضمن الحق في حرية التعبير. وقد سحبت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات اعتماد صحفية ومنعتها من تغطية الانتخابات ودخول مراكز التصويت، واتهمتها بعدم التزام الحياد وبانتهاك القانون الانتخابي.

دور المنصات الرقمية في ضمان فضاء رقمي عام حر ومتعدد

في ضوء تقليص فضاء حرية التعبير والنقاش العام، لعبت منصات وسائل التواصل الاجتماعي -خاصة فيسبوك وتيك توك- دورا هاما كمنتديات للنقاش العام خلال حملة الانتخابات الرئاسية. منصات وسائل التواصل الاجتماعي بعضٌ من فضاءات قليلة تتيح للفاعلين السياسيين فسحة لعرض سياساتهم ومحاولة التأثير في الرأي العام. لكن هذه المنصات لا تبذل ما يكفي للتصدي لمحاولات التأثير في الرأي العام التي تشنها حملات منسقة ومريبة تخرق السياسات المنظمة لها، ولا توفر ما يكفي من الشفافية التي يجب أن تحيط بالإعلانات وبالجهات المستفيدة من الصفحات المختلفة، ما يحول المنصات في أحيان كثيرة إلى فضاءات للتلاعب بالرأي العام.

لا دليل على وجود تعاون وتنسيق فعليين بين هذه المنصات والسلطات التونسية على حساب المواطنين التونسيين. ففي 2023 على سبيل المثال، رفضت شركة “ميتا” المالكة لفيسبوك 67 طلبَ حصول على بيانات قدمته الحكومة التونسية. رفض التعاون مع السلطات التونسية، بما فيها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أمر يمكن فهمه بسبب عدم احترام الحكومة لحقوق الإنسان. لكن هذه العوامل لا يجب أن تجعل منصات وسائل التواصل الاجتماعي تنكص عن واجب التحلي بالمسؤولية المطلوبة منها لمعالجة التضليل وحملات التشويه التي تنال من المرشحين وشخصيات المعارضة وناشطي المجتمع المدني، خاصة خلال الحملات الانتخابية.

بناءً على ما سبق، يجب نشر ما يكفي من معلومات عن المبالغ التي أنفقت على بعض الحسابات وعن مصادر تمويلها. يجب على هذه المنصات أن تتعاون مع الخبراء ومنظمات المجتمع المدني من أجل فهم أفضل للسياق الوطني العام، وعليها أيضا نشر تقارير عن القرارات التي تتخذها والقاضية بإزالة بعض المحتويات أو تعليق بعض الحسابات، وتحسينُ عمل خوارزمياتها حتى لا تشجع نشر مزيد من الأخبار المضللة أو المعلومات التي تقوض سلامة العملية الانتخابية وتضر بفرص التعبير عن الرأي التعددي.

توصيات

. على السلطات التونسية احترام الدستور والتزاماتها في اتفاقيات حقوق الإنسان الدولية وذلك بأن تفرج عمن اعتقل تعسفيا وتنهي فورا حملة القمع الذي سُلط على المعارضين السياسيين والصحفيين وعلى من يحاول ممارسة حقوقه الأساسية، وقوّض الانتخابات.

. على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الإقلاع عن استهداف وسائل الإعلام والصحفيين، والتوقف عن رفع الشكاوى القضائية وتوجيه الإنذارات إليهم بسبب آراءهم السياسية السلمية، والكف عن استخدام المرسوم 54 لملاحقة من يمارس بكل بساطة حقه في حرية التعبير.

. على السلطات التونسية ضمان حق التجمع ووقف الاعتداء على المجتمع المدني وحمايةُ حق مشاركة التونسيين في النقاش العام.

. على منصات وسائل التواصل الاجتماعي أن تنشر بعد الانتخابات تقارير شفافة عن الدعاية السياسية التي لها صلة بالانتخابات وعن القرارات التي اتخذتها وحذفت بموجبها محتوى أو حسابات.