هربنا من هذا الكابوس من قبل: الحقوقيون العرب في مواجهة تصاعد الاستبداد في الولايات المتحدة
June 9, 2025
Share
في مركز الديمقراطية في الشرق الأوسط MEDC، باعتبارنا مؤسسة مقرها الولايات المتحدة، ولأن صميم عملنا الدفاع عن حقوق وحريات شعوب منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، صُدمنا لرؤية السياسات القمعية والقاسية التي بدأت في تنفيذها الحكومة الأمريكية والتي تذكرنا بسياسات الأنظمة الاستبدادية التي فر منها أصدقاؤنا وزملاؤنا وشركاؤنا. تشمل هذه السياسات العديد من الانتهاكات مثل الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والترحيل غير القانوني وتجريم المعارضة السلمية.
على الرغم من أن المحاكم الأمريكية أفرجت عن بعض المحتجزين ظلماً، مثل محسن مهدوي ورميساء أوزتورك، إلا أن خطر الاضطهاد لا يزال قائماً. ففي الواقع، في 20 مايو وأمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، دافع وزير الخارجية ماركو روبيو عن سياسة الإدارة ووعد بالمزيد في المستقبل.
لكي ندرك حجم الأثر الشخصي لهذه السياسات على مجتمعنا، تحدثنا إلى مدافعين حقوقيين، ومحامين، وأكاديميين، وصحفيين، وأعضاء آخرين من المجتمع المدني الذين اضطروا للفرار من أوطانهم في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعد أن تعرضوا للاضطهاد بسبب عملهم.
حاول هؤلاء جميعًا الوصول إلى بر الأمان في الولايات المتحدة، البلد الذي كان يرمز يومًا للحرية وكان الكثيرون يعدّونه ملاذهم الأخير. لكن اليوم، وبسبب سياسات إدارة ترامب، يخشى هؤلاء من أن يُجبروا على العودة للأنظمة التي فروا منها. لقد عملنا معهم ودافعنا عنهم؛ إنهم أصدقاؤنا وزملاؤنا وشركاؤنا، إنهم منا ونحن منهم. نحن وهم واحد.
لذلك طلبنا من كل منهم أن يجيب على سؤال بسيط مع التأكيد على خصوصية بياناتهم ووعدنا بإخفاء هويتهم:
ما أوجه الشبه بين القمع الذي فررت منه في بلدك وما تشهده اليوم في الولايات المتحدة؟
تُظهر ردودهم، التي نقدمها هنا مع تعديلات طفيفة لحماية هوياتهم، تشابهات مقلقة بين ممارسات الولايات المتحدة وممارسات الأنظمة القمعية والديكتاتورية حول العالم، وفي الشرق الأوسط تحديدً.
مدافعة عن حقوق الإنسان
عندما فررت من وطني، أتيت إلى الولايات المتحدة أملاً في أن أجد الأمان وحرية التعبير وأن أعيش في مكان تُحترم فيه حقوق الإنسان حقا، لا كما اعتدت العيش مع الخوف والقمع اللذين تركتهما خلفي. مع أنني أتمتع بحريات أكبر هنا، إلا أن الواقع كان أكثر تعقيداً وأشد إحباطًا. لقد واجهتُ أشكالاً جديدة من الخوف، ومن المراقبة، ومن الوصم والتشويه أو الاستهداف بسبب معتقداتي السياسية، وخاصةً عندما تشمل هذه المعتقدات التضامن مع فلسطين.
المقلق في الأمر أن هذا الشعور بانعدام الأمن مألوفٌ للغاية، وهو يُعيد إلى ذهني القمع الذي ظننتُ أنني نجوتُ منه. إن تجريم المعارضة، وترهيب النشطاء، وتصوير الخطاب السياسي على أنه فعل خطير، كلها تعكس أنماطاً شهدتها في وطني، وإن كانت بأشكال مختلفة.
إن خطاب الإدارة الأمريكية وسياساتها الأخيرة، وخاصةً تلك التي تساوي بين مناصرة الفلسطينيين والتطرف، لم تُسهم إلا في تعميق هذا الخوف، ممايجعل حتى أبسط أفعال التعبير عن الرأي تبدو محفوفة بالمخاطر. وكشخص لجأ إلى الولايات المتحدة بسبب الاضطهاد السياسي، فإن مشاهدتي إدارة ترامب -وغيرها- تستهدف أصواتًا تعبر عما أؤمن به هو أمرٌ مؤلمٌ للغاية. يبدو الأمر بمثابة خيانةٍ للقيم التي آمنتُ بأن الولايات المتحدة تُمثلها، وتذكيرٍ صارخٍ بأنه لا توجد دولةٌ بمنأى عن الاستبداد. لقد تعلمتُ أن النضال من أجل العدالة وحرية التعبير لا ينتهي عند حدود الدول، بل يجب أن يستمر، حتى هنا على الأرض الأمريكية.
باحث
بعد سنواتٍ من العيش تحت وطأة الدكتاتورية في وطني، حيث تُجرَّم الصحافة والعمل في مجال حقوق الإنسان إذا اعتُبر أي مما نفعله انتقادًا للنظام، كنتُ أظن أن قدومي إلى الولايات المتحدة سيساعدني على استعادة صوتي. توقعتُ أن أجد مساحةً للتعبير بحرية، وأن أرى في هذا البلد منصةً للدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في وطني.
لكن الحرب على غزة حطمت هذا الأمل. في ظل الأهوال المتفشية في فلسطين، شهدتُ امريكا من نوعٍ مختلف: بلدٌ تُكتم فيه احتجاجات الطلاب، وتتحالف حكومته بفخرٍ مع حربٍ يصفها الكثيرون حول العالم بالإبادة الجماعية. في هذا الواقع الجديد، انهارت السلطة الأخلاقية لأمريكا كمدافعٍ عالمي عن حرية التعبير.
أجد نفسي أتساءل: إذا لم تُبالِ هذه الإدارة بالقتل اليومي للصحفيين الفلسطينيين، فهل ستدافع يومًا عن أي صحفي يقبع في السجن؟
الآن، في ظلّ إدارة ترامب التي عادت إلى السلطة، والتي اعتقلت بالفعل مواطنين أجانب ينتقدون سياساتها، أشعر بثقل الخوف القديم والمألوف. عادت نفس أساليب الرقابة الذاتية التي استخدمتها سابقًا للبقاء على قيد الحياة في وطني. أجد نفسي أُعيد النظر في كل كلمة أكتبها، ليس لأنني ارتكبتُ خطأً، بل لأنني تجرأت على الدفاع عن حقوق الإنسان والحرية.
الكتابة – التي كانت يومًا ما مصدرًا للمعنى بالنسبة لي – أصبحت عبئًا، تُخيم عليه أسئلةٌ لا تنتهي: هل سيؤثر هذا على وضعي كمهاجر؟ هل سيُعرّض سلامتي ومستقبلي وعائلتي للخطر؟ ظننتُ يومًا أن المنفى سيسلبني وطني. لكن الآن، في المنفى، أفقد وطني وأفقد صوتي.
موظف اغاِثة إنسانية
قبل ثلاثة عشر عامًا، فررت من وطني خوفًا على حياتي وسلامة عائلتي. كنتُ مستهدفًا من قبل النظام لمجرد قيامي بعمل إنساني ودعمي للأسر النازحة المتضررة من العنف في بلادي. ورغم أن جهودنا لم تكن سياسية على الإطلاق بل كانت إنسانية بحتة إلا أن تقديم المساعدة في المناطق المصنفة “معارضة” جعلنا مجرمين في نظر الدولة.
كان الدفاع عن الحقوق – حتى بشكل سلمي – خطيرًا للغاية. شاهدتُ زملاءً يُعتقلون ويُعذبون ويختفون قسريًا. غادرتُ قبل أن يُصيبني المصير نفسه. لسنوات، وجدتُ الأمان وشعورًا بالاستقرار هنا في الولايات المتحدة. لكن مؤخرًا، بدأ هذا الشعور يتبدد. الآن أشعر بنفس الخوف الذي هربتُ منه سابقًا – بسبب القيود على حرية التعبير، وعلى الإعلام، وعلى الحقوق الأساسية.
يبدو عدم الالتزام بإجرءات التقاضي العادلة مألوفًا بشكل مؤلم. وكأن التاريخ يعيد نفسه. ما بدا يومًا ما ماضيًا بعيدًا أصبح الآن مستقبلًا محتملًا بشكل يبعث على القلق. لم أتخيل يومًا أن أشعر بهذا الشعور في مكان اعتبرته ملاذًا آمنًا. لقد عاودني الخوف من عدم القدرة على التحدث أو التصرف أو خدمة الضعفاء، وأصبحت أوجه التشابه مع ماضيّ في بلادي واضحة للغاية بحيث لا يمكن تجاهلها.
محامية
عندما غادرت بلادي لم أكن أهرب من النظام الحاكم فحسب، بل كنت أهرب من يقين خانق بأن صوتي وعملي، بل وحتى أفكاري، قد تقودني إلى السجن. بصفتي محامية حقوق الإنسان، شهدتُ بنفسي كيف تستغل الدولة القانون لإسكات المعارضة.
لكن مع قدومي إلى الولايات المتحدة، كنت آمل أن أجد مساحة للتنفس، وأن أعيد بناء حياتي في مكان ظننتُ فيه أن العدالة ليست انتقائية وأن التعبير عن الرأي ليس جريمة. لبعض الوقت، وجدتُ ذلك بالفعل. لكن مؤخرًا، بدأ ذلك الشعور الهش بالأمان يتبدد.
الخوف الذي عشته في وطني، والرقابة الذاتية المستمرة، والشعور بأنني تحت مراقبة صامتة، وإدراكي أن مجرد الدفاع عن العدالة يجعلني هدفًا للقمع، كل ذلك لاحقني هنا بأشكال مختلفة. أرى طلابًا يُعتقلون، ومهاجرين يتم إخراسهم، وأصواتًا سلمية مؤيدة لفلسطين تُصنّف كتهديد للأمن القومي. يُعيد هذا كله صدى القمع الذي هربتُ منه.
إن عودة ترامب واستهداف أولئك الذين يُعبّرون عن تضامنهم مع فلسطين أكثر من مجرد تحوّل في السياسة. إنه تذكيرٌ مُريعٌ بأن الخط الفاصل بين الديمقراطية والاستبداد قد يكون أرقّ مما نظن. لم أتخيل يومًا أنني سأخشى مجددًا أن يُستخدم عملي أو رأيي أو مجرد وجودي في البلاد ضدي. ومع ذلك، ها أنا ذا، أُوازن بين كل نشاط عام وخطر النفي مجددًا!
لقد هربتُ من أجل البقاء على قيد الحياة، ولكني أيضًا خرجت لمواصلة النضال من أجل الحرية. ولم ينتهِ هذا النضال في المنفى، بل وجدت ساحة معركة جديدة، ساحةً لن أتوقف فيها عن التلفت خلفي خوفًا مما يمكن أن يحدث.
أخصائية اجتماعية
كأي شخص يبحث عن ملاذ آمن، أتيتُ إلى هنا آملاً في الأمان، وحرية التعبير دون أن أُعرّض نفسي أو أحبّائي للخطر. لكن بعد سنوات من العيش هنا، يصعب عليّ ألا ألاحظ أوجه التشابه المقلقة بين ما فررتُ منه وما يحدث الآن.
تبدو الولايات المتحدة اليوم، في نواحٍ عديدة، وكأنها نسخة مُعاد صياغتها من القمع في وطني، تتسم بتصاعد الاستبداد وتنامي النزعة القومية يوماً بعد يوم. هذه ليست مجرد مقارنات، بل نمط متكرر: المراقبة، والاعتقالات السياسية، والحصانة القانونية لمن هم في السلطة، وحتى الطريقة التي تنقلب بها المجتمعات المتعثرة على بعضها البعض بسبب الخلافات السياسية، بينما يظل الضرر الحقيقي الذي تسببه الدولة بلا رادع. هذه الأساليب متعمدة، وهي نفسها التي شهدتها في وطني.
تم تشخيصي باضطراب ما بعد الصدمة بعد أشهر من سجن أحد أحبّائي. ساعدني العلاج النفسي على إدارة الصدمة واستعادة بعض الشعور بالأمان تدريجياً. لكن مؤخراً، وخاصةً بعد مشاهدة فيديو لشخص أعرفه شخصياً من جامعة أمريكية يُحتجز، عادت تلك الأعراض نفسها بقوة: نوبات الهلع، والارتياب، وشعور الذنب كناجية. قضيت سنوات أحاول استعادة أنفاسي، محاولة تصديق أنني بأمان. الآن، غالباً ما أجد نفسي أحاول العيش بهدوء، مذكّرة نفسي بأن البقاء على قيد الحياة كافٍ في الوقت الحالي.
كل ليلة، أتساءل عما سيحمله الصباح التالي، وما هي السياسة الجديدة التي قد تُعرّض سلامتي للخطر. عندما شارك طالب دولي أوروبي مخاوفه من إلغاء تأشيرته، صدّقت مخاوفه، ولكن كان عليّ أيضاً أن أقول إن إعادته إلى الوطن إلى بر الأمان لا تعني إعادته إلى الخطر، لأن “الوطن” بالنسبة لبعضنا هو نقطة البداية الأسوأ.
هذا يعني أمرين: من المحزن أن نشاهد الفلسطينيين والأصوات المؤيدة لهم تُكتم وتُكشف هوياتهم وتُحتجز وتُرحّل وتُعاد صدمتها في نفس البلد الذي ظنوا أنه قد يحميهم. وفي الوقت نفسه، يُظهر هذا مدى قوة المقاومة الجماعية. عندما يتحد الناس، ويضاعفون جهودهم، وينطقون بالحقيقة في وجه السلطة، سيبذل أصحاب السلطة قصارى جهدهم لقمعها. خوفهم من المساءلة هو ما يدفعهم إلى العدوان.
مع أنني تراجعت عن المناصرة العلنية لفلسطين في الوقت الحالي، إلا أن رؤية شجاعة وإقدام الآخرين الذين يواصلون التعبير عن آرائهم بحرية كان الأمل الوحيد الذي أتمسك به. حتى الدول التي تنادي بـ”حرية التعبير” هي أول من يتخلى عنها عندما لا تخدم مصالح الرجل الأبيض.
عندما بدأت دراستي في الولايات المتحدة، كنا نقضي ساعات في جلسات التوجيه نتعلم مدى أهمية إنهاء الاستعمار، ليس فقط إنهاء الاستعمار للأرض، بل لكل نظام تسبب في المعاناة. كل مؤتمر، وكل حفل تخرج، كان يُفتتح بتأكيد على أننا ما زلنا على أرض الأمريكيين الأصليين. طُلب منا الجلوس في صمت من أجل أوكرانيا في الفصول الدراسية، وظل النفاق يتراكم حتى وقعت الإبادة الجماعية في غزة. عندها تم تهديد الأساتذة بالصمت بشأن فلسطين. عندها تم تحذير الطلاب بالتزام الصمت. ومنذ ذلك الحين، ازداد الوضع سوءًا كما نرى جميعًا.
حينها أدرك كل طالب أن هذه المؤسسات قد علّمتنا درسًا جيدًا في إنهاء الاستعمار، والدفاع عن الحقوق، والصمود. ما لم يتوقعوه هو أن تنقلب هذه الدروس عليهم. ما لم يتوقعوه هو أن الطلاب سيواصلون النضال، حتى لو كلفهم ذلك الاعتقال، أو الترحيل، أو إلغاء تأشيراتهم وبطاقاتهم الخضراء.
كاتب
غادرتُ بلادي بعد أن قضيتُ بعض الوقت في السجن، لا لسبب سوى أني كتبتُ عن الجنس والجندر واللغة. جئتُ بشكل قانوني إلى الولايات المتحدة، حيث أعيش منذ سبع سنوات. لقد كانت أمريكا كريمة معي فعلًا. منحتني حرية الكلام والتعلم والنمو. أعاد لي الكرم الذي تلقيته من الشعب الأمريكي إيماني بالتضامن العابر للحدود. لكن المنفى له ثمن.
لقد فقدت اللغة التي عشتُ بها، اللغة التي حملت نكاتي وسبابي وصلواتي. فقدت عائلتي وأصدقائي وإيقاع عالمي القديم. بدأتُ من الصفر. وجدتُ الحب، وبنيت صداقات، وبدأتُ في صياغة هوية جديدة – كمهاجر أمريكي اختار أن يُجبر نفسه على الإيمان بالحلم الأمريكي، لأن أمثالي لا يملكون رفاهية اختيار حلم آخر.
ومع ذلك، بدأتُ أتشكك في هذا الحلم. أتذكر مشاهدة بايدن يعلن فرض العقوبات على روسيا ويجمد أصولها. وبعد عام، وبعد زيارته لإسرائيل، أعلن الحرب على غزة، مرسلًا القنابل لقتل الأطفال. حينها أدركتُ أن هذا البلد لم يكن ينجرف نحو العسكرة فحسب، بل كان يغرق في دوامة من الجنون. جنون ليس حتى كالذي ظهر في غزو العراق أو كما تُسمى “عملية الحرية”، بل جنون أكثر برودةً، منفصلٌ حتى عن الأخلاقيات التي تكونت في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.
أكثر ما أدهشني لم يكن السياسات فحسب، بل رد الفعل الأمريكي السخيف على هذه السياسات. تعامل الناس معها وكأنها رحلة استجمام ويوغا – “سلام ومحبة للجميع” – كما لو أن هذه السياسات ستأتي بلا ثمن. ظللتُ أُحذرهم: أولًا سيأتون لأخذ الطلاب. ثم سيُشيعون جوًا معاديًا للأجانب. ثم سيُعيدون ترتيب الهياكل العسكرية والأمنية بهدوء. ثم سيسحقون القضاء. وأخيرًا، سيأخذون كل ما تبقى – الحرية والمؤسسات والثروة. أقول هذا ليس كنبوءةً، بل لأن هذا ما رأيته رأي العين.
الآن، صديقتي المتحولة جنسيًا في ولاية يوتاه لا تستطيع تجديد جواز سفرها. صديق آخر، وهو ناشط نقابي أبيض، طُلب منه مسح حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي واستخدام هاتف محمول مؤقت لكي يستطيع زيارة كندا بأمان. ومع كل هذا، تختفي السردية المقابلة. لا نرى سوى مجرد صمت مذهول. إن هذا العجز الفكري، هذا الاستسلام الهادئ من قبل الأكاديميين الأمريكيين، هو أكثر ما يصدمني.
في بلدي، احتل الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الشوارع لأشهر مطالبين بالحرية الأكاديمية. قُتل أكثر من 20 طالبًا. وسُجن أو نُفي الكثيرون. ولكن هنا؟ يرسل ترامب رسالة، والجامعات تُسلم بيانات الطلاب أسرع من طلب استرجاع من أمازون! أنا لست خائفًا من ترامب أو سياساته. أشعر بالخجل من المؤسسات التي انهارت، والمثقفين الذين استسلموا دون قتال. أما ما كسرني حقًا فهو إدراكي أنه حتى لو أردت المقاومة، لا توجد حركة كي أنضم إليها.
لذلك نعم، أُعيد التفكير في كل شيء. لهذا السبب أبحث الآن عن فرص عمل في قطر أو دبي، ليس فقط كي أنقذ نفسي، ولكن ربما لمساعدة أصدقائي الأمريكيين أيضًا. عليك فقط أن تتعلم الصمت، لكن لا تقلق، لن يكون الأمر صعبًا، فأنت تقوم بذلك بالفعل في عهد ترامب.
خبير علوم سياسية
عندما فررتُ من وطني، أتيتُ إلى الولايات المتحدة لا بحثًا عن الأمان فحسب، بل عن شيء أكثر هشاشةً وندرةً: الكرامة. كرامة التعبير عن الرأي دون خوف، والمساهمة في الحياة العامة دون مراقبة أو إسكات أو عقاب. كنتُ آمل أن أجد ديمقراطيةً ترتقي إلى مستوى القيم التي تروّجها بثقة هائلة. بشكل ما وجدتُ ذلك؛ فهناك مساحة للتنفس والبناء والدراسة والتحدث. لكن في الكثير من المساحات يبدو الواقع مُقلقًا. فلا يزول شعوبي بالهشاشة أبدًا. قد لا يرتدي التهديد هنا زيًا عسكريًا، لكنه يرتدي بدلة، ويُسنّ التشريعات، ويستغل خوف الجمهور، ويُؤجج غضبًا محسوبًا وانتقائيًا. لقد وجدتُ ملاذًا، نعم، ولكني لم أجد الاستقرار بعد. ما زلتُ أعيش وفي اعتقادي أن الأمان هنا مشروط، وأن العدالة هنا غالبًا ما تكون غير متكافئة.
للأسف، ما يُقلقني هو كم الألفة التي أعرف بها هذه الآليات: كيف يُعاد تأطير المعارضة على أنها خطر على البلاد، وكيف تُجرّم أصواتٌ معينة بينما تحمي القوانين نفسها أصواتًا أخرى. لقد عشتُ في ظل نظامٍ ساوى بين النقد والخيانة، ومن المُقلق أن نرى أصداءً لذلك هنا، لا سيما في معاملة المدافعين عن القضية الفلسطينية. قد تختلف الأدوات، لكن التكتيك واحد: العزل، وتشويه السمعة، والترهيب. وبمجرد أن تختبر القمع، يمكنك أن تستشعر علاماته الأولى، حتى عندما يُصرّ الآخرون على أنه مجرد “سياسة” أو “مصلحة وطنية”. لقد جعلني أشعر بالانكشاف بطرق لم أكن مستعدًا لها.
هناك مفارقة في النجاة من ديكتاتورية ثم الشعور بالضعف مرة أخرى في قلب ما يُفترض أنه عالم حر. عندما يتحدث القادة السياسيون عنا نحن المهاجرين أو العرب أو المسلمين أو المتظاهرين بطرقٍ تقدمنا في صورة تهديد، فإن ذلك يُرسل رسالةً واضحةً: انتماؤكم هنا هش، صوتكم مُحفوفٌ بالمخاطر. إنه يُجبركم على الاختيار بين الصمت والخطر، خيارٌ كنتُ آمل أن أكون قد تركته خلفي. وبالنسبة لشخص دفع بالفعل ثمنًا باهظًا لقول الحقيقة للسلطة، فهذا تذكير قاسٍ بمدى سهولة تآكل الحرية، حتى هنا.
أشعر أن الأمر شخصي للغاية. إنه ليس مجرد موقف سياسي، إنه علم أحمر بأن نفس آلية القمع التي هربتُ منها ذات يوم تكتسب قوة هنا. عندما تبدأ الحكومة في معاقبة التعبير الذي لا توافق عليه، وخاصة التعبير الذي يدافع عن حقوق الإنسان، فإنها لم تعد تحمي الديمقراطية، بل تخونها. ما تفعله إدارة ترامب ليس مجرد حملة قمع على مجموعة محددة؛ إنه طلقة تحذيرية لكل من يؤمن بالعدالة والتضامن والمساءلة. أرى فيه نفس الدافع الاستبدادي المدفوع بالخوف الذي حاربتُه طوال حياتي. ويذكرني بأن المنفى ليس دائمًا فعلًا نقوم به لمرة واحدة؛ في بعض الأحيان، عليك أن تستمر في المقاومة، حتى داخل الأماكن التي كنتَ تعتقد أنها آمنة في السابق.
خبير قانوني
عندما فررت من موطني، كنت أبحث عن حرية التعبير، وكل تلك الحريات التي لم تكن متاحة لي هناك. فقد كنت أخشى الاعتقال لا لشيء سوى لإبداء رأيي السياسي. أعلم أنه لا يوجد بلد مثالي، لكنني جئت إلى الولايات المتحدة طلبًا للأمان والحرية.
في بلدي الأم، كنا نضطر لحذف تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي وجهات الاتصال لكي لا نُضطهد أو نعاقب، واليوم في الولايات المتحدة يدور الحديث أيضًا حول حذف وجودك على وسائل التواصل الاجتماعي لتجنب الاعتقال أو التفتيش في المطارات أو في الشوارع. يبدو الوضع مشابهًا بشكل مخيف للبيئة القمعية التي هربت منها.
إنني أرى طوال الوقت أوجه تشابه بين القمع الذي عشته هناك وما أشاهده في الولايات المتحدة اليوم، خاصة خوفي من التعبير عن أي رأي معارض، أو ممارسة أي نشاط سياسي ذا معنى. نراقب أنفسنا ذاتيًا باستمرار كما كنا نفعل في بلداننا، رغم أن التعديل الأول للدستور الأمريكي من المفترض أن يحمي مثل هذه الحريات. السياسات الأمريكية الأخيرة، خاصة توثيق العلاقات مع الديكتاتوريين الذين هربنا منهم، تزيد من شعوري بالخوف. والآن تبدو احتمالية مواجهة تهم ملفقة أو حتى التسليم أو الترحيل إلى أنظمة قمعية تبدو حقيقة بل وشيكة. ربما يكون استهداف إدارة ترامب للأصوات الداعمة لفلسطين أمرًا شائنًا على وجه خاص، لكنه من جانب آخر يشير إلى أن مجتمعي قد يكون المستهدف تاليًا. فحين تُستهدف وتُقمع أي آراء سياسية، فإن ذلك يفتح الباب لاضطهاد جميع المعارضين. بمجرد استهداف مجموعة واحدة، تصبح كل المجموعات الأخرى معرضة للخطر، ولا يصبح أي أحد في مأمن حقيقي من القمع.
ناشط مؤيد للديمقراطية
عندما اخترت الرحيل عن وطني والعيش في الولايات المتحدة، كنت أختار حرية التعبير وحرية التجمع والحق في الاختيار. هي الحريات التي أعلم أني لن أتمتع بها لو عدت إلى بلادي. لكن اليوم، في ظل إدارة الرئيس ترامب أصبحت الولايات المتحدة تمامًا مثل الدولة الاستبدادية التي هربت منها. ففي أميركا التي يقودها ترامب، أصبحت حقوق الإنسان التي لا يمكن حرمان أي شخص منها حق للمواطنين فقط، وأصبح مجرد التعبير عن الرأي كفيلًا بنقلك إلى أحد مراكز الاحتجاز التابعة لإدارة الهجرة والجمارك ICE بلا أي إجراءات قانونية.
إن الالتفاف حول قضية إنسانية كحقوق الفلسطينيين أصبح خيارًا مؤذيا الآن في الولايات المتحدة. لقد تراجع الحلم الأميركي المؤمن بالفرصة والمساواة والحق في السعي وراء السعادة، بل واختفى تمامًا بالنسبة للبعض في الولايات المتحدة اليوم. أحيانا أتساءل عما إذا كانت الديمقراطية والفصل بين السلطات مفاهيم حقيقية في الولايات المتحدة أم أنها مجرد لوحات فنية جميلة لا تعكس أي واقع حقيقي! إنني أتساءل أيضًا ما إذا كنت قد هربت من نظام استبدادي لأقع في براثن آخر!
محلل سياسي
لقد كنت آمل أن أجد حرية تعبير حقيقية في الولايات المتحدة. بصراحة، كنت أعلم أن هناك قيودًا على الحريات في الولايات المتحدة، وأن الكثير من القضايا والمواضيع تعتبر من المحرمات، على الرغم من أن الآلة الإعلامية الأمريكية ترسم صورة مغايرة. إننا نرى القمع في كل مكان تقريبًا، وإن كان يتجلى بأشكال ومستويات مختلفة. مؤخرًا، أصبحت سياسة الولايات المتحدة المناهضة لحرية التعبير أكثر وضوحًا وعدوانية.
لقد خشي الكثير ممن خاضوا تجربة اللجوء السياسي، وأنا منهم، من أن تؤدي هذه السياسات القاسية المتصاعدة إلى اتخاذ قرارات بالترحيل القسري من الولايات المتحدة. هناك ضوء بالطبع، فقد تواصل معي محامون وعرضوا عليّ المساعدة خلال هذه الأوقات العصيبة. إن سياسات الإدارة الحالية تشير بوضوح إلى أن حرية التعبير ليست سوى حبر على ورق، ويظهر ذلك بوضوح في قضايا بعينها. وكما هو الحال في العديد من دول العالم، يُستخدم “الإرهاب” كحجة لإضفاء الشرعية على عملية إخراس الناس.
مدافعة عن حقوق الانسان
عندما اضطررتُ للخروج من بلدي، انتقلتُ إلى الولايات المتحدة أملاً في حياة أكثر أمناً واستقراراً، حيث اعتقدت أن بإمكاني مواصلة العمل الذي أحبه بل وأن أدعم قضايا أخرى. لم أكن ساذجة بشأن وضع الولايات المتحدة، أو من يتعرض للهجوم فيها. لم أكن أتصورها يوماً مكاناً مثالياً أو ديمقراطية مثالية كما يُشاع عنها، ومع ذلك كنتُ أعلم أنني أستطيع القيام بعملي بأمان، وأن الحريات الشخصية أمرٌ بالغ الأهمية.
قلبي محطمٌ بسبب ما آلت إليه الأمور في العامين الماضيين، ويزداد الأمر سوءاً يوماً بعد يوم مع الإدارة الحالية والهجمات اللاإنسانية على النشطاء والمهاجرين وكل من يجرؤ على الدفاع عن القضايا المهمة بالنسبة لهم.
لم تكن هذه هي الحياة التي تخيلتها، ولا الحياة التي طمحتُ إليها. ترعبني أوجه التشابه بين القمع في الولايات المتحدة اليوم وبلادي. نفس الشعور، ونفس الخوف، ونفس التهديد. إن استخدام الخوف هناك وهنا، والتساؤل الدائم عمّا قد يحدث بسبب التعبير عن رأينا متشابهان للغاية، وهو أداة فعّالة للمستبدين لردع الناس عن التعبير عن آرائهم أو التجرؤ على معارضة الحكومة. أشعر بعدم الأمان عند مغادرة منزلي، ولا أستطيع النوم جيدًا، وأخشى الاختطاف أو الاحتجاز، وأجد نفسي أُجهّز حقيبتي استعدادًا للمغادرة، وأجدني خائفًة من ممارسة أحد أنشطتي المُفضّلة: المشي في الشارع!
محامي
عندما غادرت وطني، كنت أبحث عن الأمان وأحاول الهروب من شعوري الدائم بأني تحت المراقبة الأمنية. عندما وصلت إلى الولايات المتحدة، شعرتُ أخيرًا بهذا الأمان، خاصةً مع عيشي في بيئة متنوعة حيث أمكنني أن أكوّن صداقات ومجتمعًا داعمًا. لكن ما أختبره الآن يختلف تمامًا، فأنا أشعر بعدم الأمان مجددًا، فأنا معرض للتهديد لمجرد منشور كتبته أو موقف اتخذته. لا أرى أوجه تشابه فحسب، بل أرى نمطًا أكثر قسوة وخطورة.
فعندما تُرحّل حكومة الولايات المتحدة – بل بتدخل الرئيس نفسه – اللاجئين، أو تضطهد مجتمع الميم، أو تقمع الحركات الطلابية، فإن ذلك لا يؤثر على الولايات المتحدة فحسب، بل يُرسل هزات ارتدادية في جميع أنحاء العالم، ويخلق عقبات وتحديات كبيرة لمنظمات حقوق الإنسان والناشطين في كل مكان. لقد جعلني هذا التهديد أشعر بنفس الخوف الذي شعرت به في وطني: أنني لستُ بأمان، وأنني مضطرٌّ لفرض رقابة ذاتية على نفسي ومراجعة ما أكتبه باستمرار، بل والتفكير في تغيير مساري المهني بالكامل لأنه أصبح مهددًا – ليس فقط بسبب سياسات ترامب، بل أيضًا من الهجمات المُستهدفة من جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل. إن استهداف الإدارة الأمريكية للاجئين وطالبي اللجوء – سواءً بسبب دعمهم لفلسطين أو وضعهم كمهاجرين – يعكس تحولًا تجاه انتهاكات حقوق الإنسان بشكل يشبه تمامًا تلك التي ترتكبها الأنظمة الديكتاتورية في الشرق الأوسط وأفريقيا، وهي نفس السلوكيات التي أدانتها وزارة الخارجية الأمريكية سابقًا باعتبارها انتهاكات لحقوق الإنسان.
Home / Publications / Commentary
هربنا من هذا الكابوس من قبل: الحقوقيون العرب في مواجهة تصاعد الاستبداد في الولايات المتحدة
Share
في مركز الديمقراطية في الشرق الأوسط MEDC، باعتبارنا مؤسسة مقرها الولايات المتحدة، ولأن صميم عملنا الدفاع عن حقوق وحريات شعوب منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، صُدمنا لرؤية السياسات القمعية والقاسية التي بدأت في تنفيذها الحكومة الأمريكية والتي تذكرنا بسياسات الأنظمة الاستبدادية التي فر منها أصدقاؤنا وزملاؤنا وشركاؤنا. تشمل هذه السياسات العديد من الانتهاكات مثل الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والترحيل غير القانوني وتجريم المعارضة السلمية.
على الرغم من أن المحاكم الأمريكية أفرجت عن بعض المحتجزين ظلماً، مثل محسن مهدوي ورميساء أوزتورك، إلا أن خطر الاضطهاد لا يزال قائماً. ففي الواقع، في 20 مايو وأمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، دافع وزير الخارجية ماركو روبيو عن سياسة الإدارة ووعد بالمزيد في المستقبل.
لكي ندرك حجم الأثر الشخصي لهذه السياسات على مجتمعنا، تحدثنا إلى مدافعين حقوقيين، ومحامين، وأكاديميين، وصحفيين، وأعضاء آخرين من المجتمع المدني الذين اضطروا للفرار من أوطانهم في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعد أن تعرضوا للاضطهاد بسبب عملهم.
حاول هؤلاء جميعًا الوصول إلى بر الأمان في الولايات المتحدة، البلد الذي كان يرمز يومًا للحرية وكان الكثيرون يعدّونه ملاذهم الأخير. لكن اليوم، وبسبب سياسات إدارة ترامب، يخشى هؤلاء من أن يُجبروا على العودة للأنظمة التي فروا منها. لقد عملنا معهم ودافعنا عنهم؛ إنهم أصدقاؤنا وزملاؤنا وشركاؤنا، إنهم منا ونحن منهم. نحن وهم واحد.
لذلك طلبنا من كل منهم أن يجيب على سؤال بسيط مع التأكيد على خصوصية بياناتهم ووعدنا بإخفاء هويتهم:
ما أوجه الشبه بين القمع الذي فررت منه في بلدك وما تشهده اليوم في الولايات المتحدة؟
تُظهر ردودهم، التي نقدمها هنا مع تعديلات طفيفة لحماية هوياتهم، تشابهات مقلقة بين ممارسات الولايات المتحدة وممارسات الأنظمة القمعية والديكتاتورية حول العالم، وفي الشرق الأوسط تحديدً.
مدافعة عن حقوق الإنسان
المقلق في الأمر أن هذا الشعور بانعدام الأمن مألوفٌ للغاية، وهو يُعيد إلى ذهني القمع الذي ظننتُ أنني نجوتُ منه. إن تجريم المعارضة، وترهيب النشطاء، وتصوير الخطاب السياسي على أنه فعل خطير، كلها تعكس أنماطاً شهدتها في وطني، وإن كانت بأشكال مختلفة.
إن خطاب الإدارة الأمريكية وسياساتها الأخيرة، وخاصةً تلك التي تساوي بين مناصرة الفلسطينيين والتطرف، لم تُسهم إلا في تعميق هذا الخوف، ممايجعل حتى أبسط أفعال التعبير عن الرأي تبدو محفوفة بالمخاطر. وكشخص لجأ إلى الولايات المتحدة بسبب الاضطهاد السياسي، فإن مشاهدتي إدارة ترامب -وغيرها- تستهدف أصواتًا تعبر عما أؤمن به هو أمرٌ مؤلمٌ للغاية. يبدو الأمر بمثابة خيانةٍ للقيم التي آمنتُ بأن الولايات المتحدة تُمثلها، وتذكيرٍ صارخٍ بأنه لا توجد دولةٌ بمنأى عن الاستبداد. لقد تعلمتُ أن النضال من أجل العدالة وحرية التعبير لا ينتهي عند حدود الدول، بل يجب أن يستمر، حتى هنا على الأرض الأمريكية.
باحث
لكن الحرب على غزة حطمت هذا الأمل. في ظل الأهوال المتفشية في فلسطين، شهدتُ امريكا من نوعٍ مختلف: بلدٌ تُكتم فيه احتجاجات الطلاب، وتتحالف حكومته بفخرٍ مع حربٍ يصفها الكثيرون حول العالم بالإبادة الجماعية. في هذا الواقع الجديد، انهارت السلطة الأخلاقية لأمريكا كمدافعٍ عالمي عن حرية التعبير.
أجد نفسي أتساءل: إذا لم تُبالِ هذه الإدارة بالقتل اليومي للصحفيين الفلسطينيين، فهل ستدافع يومًا عن أي صحفي يقبع في السجن؟
الآن، في ظلّ إدارة ترامب التي عادت إلى السلطة، والتي اعتقلت بالفعل مواطنين أجانب ينتقدون سياساتها، أشعر بثقل الخوف القديم والمألوف. عادت نفس أساليب الرقابة الذاتية التي استخدمتها سابقًا للبقاء على قيد الحياة في وطني. أجد نفسي أُعيد النظر في كل كلمة أكتبها، ليس لأنني ارتكبتُ خطأً، بل لأنني تجرأت على الدفاع عن حقوق الإنسان والحرية.
الكتابة – التي كانت يومًا ما مصدرًا للمعنى بالنسبة لي – أصبحت عبئًا، تُخيم عليه أسئلةٌ لا تنتهي: هل سيؤثر هذا على وضعي كمهاجر؟ هل سيُعرّض سلامتي ومستقبلي وعائلتي للخطر؟ ظننتُ يومًا أن المنفى سيسلبني وطني. لكن الآن، في المنفى، أفقد وطني وأفقد صوتي.
موظف اغاِثة إنسانية
كان الدفاع عن الحقوق – حتى بشكل سلمي – خطيرًا للغاية. شاهدتُ زملاءً يُعتقلون ويُعذبون ويختفون قسريًا. غادرتُ قبل أن يُصيبني المصير نفسه. لسنوات، وجدتُ الأمان وشعورًا بالاستقرار هنا في الولايات المتحدة. لكن مؤخرًا، بدأ هذا الشعور يتبدد. الآن أشعر بنفس الخوف الذي هربتُ منه سابقًا – بسبب القيود على حرية التعبير، وعلى الإعلام، وعلى الحقوق الأساسية.
يبدو عدم الالتزام بإجرءات التقاضي العادلة مألوفًا بشكل مؤلم. وكأن التاريخ يعيد نفسه. ما بدا يومًا ما ماضيًا بعيدًا أصبح الآن مستقبلًا محتملًا بشكل يبعث على القلق. لم أتخيل يومًا أن أشعر بهذا الشعور في مكان اعتبرته ملاذًا آمنًا. لقد عاودني الخوف من عدم القدرة على التحدث أو التصرف أو خدمة الضعفاء، وأصبحت أوجه التشابه مع ماضيّ في بلادي واضحة للغاية بحيث لا يمكن تجاهلها.
محامية
عندما غادرت بلادي لم أكن أهرب من النظام الحاكم فحسب، بل كنت أهرب من يقين خانق بأن صوتي وعملي، بل وحتى أفكاري، قد تقودني إلى السجن. بصفتي محامية حقوق الإنسان، شهدتُ بنفسي كيف تستغل الدولة القانون لإسكات المعارضة.
لكن مع قدومي إلى الولايات المتحدة، كنت آمل أن أجد مساحة للتنفس، وأن أعيد بناء حياتي في مكان ظننتُ فيه أن العدالة ليست انتقائية وأن التعبير عن الرأي ليس جريمة. لبعض الوقت، وجدتُ ذلك بالفعل. لكن مؤخرًا، بدأ ذلك الشعور الهش بالأمان يتبدد.
الخوف الذي عشته في وطني، والرقابة الذاتية المستمرة، والشعور بأنني تحت مراقبة صامتة، وإدراكي أن مجرد الدفاع عن العدالة يجعلني هدفًا للقمع، كل ذلك لاحقني هنا بأشكال مختلفة. أرى طلابًا يُعتقلون، ومهاجرين يتم إخراسهم، وأصواتًا سلمية مؤيدة لفلسطين تُصنّف كتهديد للأمن القومي. يُعيد هذا كله صدى القمع الذي هربتُ منه.
إن عودة ترامب واستهداف أولئك الذين يُعبّرون عن تضامنهم مع فلسطين أكثر من مجرد تحوّل في السياسة. إنه تذكيرٌ مُريعٌ بأن الخط الفاصل بين الديمقراطية والاستبداد قد يكون أرقّ مما نظن. لم أتخيل يومًا أنني سأخشى مجددًا أن يُستخدم عملي أو رأيي أو مجرد وجودي في البلاد ضدي. ومع ذلك، ها أنا ذا، أُوازن بين كل نشاط عام وخطر النفي مجددًا!
لقد هربتُ من أجل البقاء على قيد الحياة، ولكني أيضًا خرجت لمواصلة النضال من أجل الحرية. ولم ينتهِ هذا النضال في المنفى، بل وجدت ساحة معركة جديدة، ساحةً لن أتوقف فيها عن التلفت خلفي خوفًا مما يمكن أن يحدث.
أخصائية اجتماعية
كأي شخص يبحث عن ملاذ آمن، أتيتُ إلى هنا آملاً في الأمان، وحرية التعبير دون أن أُعرّض نفسي أو أحبّائي للخطر. لكن بعد سنوات من العيش هنا، يصعب عليّ ألا ألاحظ أوجه التشابه المقلقة بين ما فررتُ منه وما يحدث الآن.
تبدو الولايات المتحدة اليوم، في نواحٍ عديدة، وكأنها نسخة مُعاد صياغتها من القمع في وطني، تتسم بتصاعد الاستبداد وتنامي النزعة القومية يوماً بعد يوم. هذه ليست مجرد مقارنات، بل نمط متكرر: المراقبة، والاعتقالات السياسية، والحصانة القانونية لمن هم في السلطة، وحتى الطريقة التي تنقلب بها المجتمعات المتعثرة على بعضها البعض بسبب الخلافات السياسية، بينما يظل الضرر الحقيقي الذي تسببه الدولة بلا رادع. هذه الأساليب متعمدة، وهي نفسها التي شهدتها في وطني.
تم تشخيصي باضطراب ما بعد الصدمة بعد أشهر من سجن أحد أحبّائي. ساعدني العلاج النفسي على إدارة الصدمة واستعادة بعض الشعور بالأمان تدريجياً. لكن مؤخراً، وخاصةً بعد مشاهدة فيديو لشخص أعرفه شخصياً من جامعة أمريكية يُحتجز، عادت تلك الأعراض نفسها بقوة: نوبات الهلع، والارتياب، وشعور الذنب كناجية. قضيت سنوات أحاول استعادة أنفاسي، محاولة تصديق أنني بأمان. الآن، غالباً ما أجد نفسي أحاول العيش بهدوء، مذكّرة نفسي بأن البقاء على قيد الحياة كافٍ في الوقت الحالي.
كل ليلة، أتساءل عما سيحمله الصباح التالي، وما هي السياسة الجديدة التي قد تُعرّض سلامتي للخطر. عندما شارك طالب دولي أوروبي مخاوفه من إلغاء تأشيرته، صدّقت مخاوفه، ولكن كان عليّ أيضاً أن أقول إن إعادته إلى الوطن إلى بر الأمان لا تعني إعادته إلى الخطر، لأن “الوطن” بالنسبة لبعضنا هو نقطة البداية الأسوأ.
هذا يعني أمرين: من المحزن أن نشاهد الفلسطينيين والأصوات المؤيدة لهم تُكتم وتُكشف هوياتهم وتُحتجز وتُرحّل وتُعاد صدمتها في نفس البلد الذي ظنوا أنه قد يحميهم. وفي الوقت نفسه، يُظهر هذا مدى قوة المقاومة الجماعية. عندما يتحد الناس، ويضاعفون جهودهم، وينطقون بالحقيقة في وجه السلطة، سيبذل أصحاب السلطة قصارى جهدهم لقمعها. خوفهم من المساءلة هو ما يدفعهم إلى العدوان.
مع أنني تراجعت عن المناصرة العلنية لفلسطين في الوقت الحالي، إلا أن رؤية شجاعة وإقدام الآخرين الذين يواصلون التعبير عن آرائهم بحرية كان الأمل الوحيد الذي أتمسك به. حتى الدول التي تنادي بـ”حرية التعبير” هي أول من يتخلى عنها عندما لا تخدم مصالح الرجل الأبيض.
عندما بدأت دراستي في الولايات المتحدة، كنا نقضي ساعات في جلسات التوجيه نتعلم مدى أهمية إنهاء الاستعمار، ليس فقط إنهاء الاستعمار للأرض، بل لكل نظام تسبب في المعاناة. كل مؤتمر، وكل حفل تخرج، كان يُفتتح بتأكيد على أننا ما زلنا على أرض الأمريكيين الأصليين. طُلب منا الجلوس في صمت من أجل أوكرانيا في الفصول الدراسية، وظل النفاق يتراكم حتى وقعت الإبادة الجماعية في غزة. عندها تم تهديد الأساتذة بالصمت بشأن فلسطين. عندها تم تحذير الطلاب بالتزام الصمت. ومنذ ذلك الحين، ازداد الوضع سوءًا كما نرى جميعًا.
حينها أدرك كل طالب أن هذه المؤسسات قد علّمتنا درسًا جيدًا في إنهاء الاستعمار، والدفاع عن الحقوق، والصمود. ما لم يتوقعوه هو أن تنقلب هذه الدروس عليهم. ما لم يتوقعوه هو أن الطلاب سيواصلون النضال، حتى لو كلفهم ذلك الاعتقال، أو الترحيل، أو إلغاء تأشيراتهم وبطاقاتهم الخضراء.
كاتب
غادرتُ بلادي بعد أن قضيتُ بعض الوقت في السجن، لا لسبب سوى أني كتبتُ عن الجنس والجندر واللغة. جئتُ بشكل قانوني إلى الولايات المتحدة، حيث أعيش منذ سبع سنوات. لقد كانت أمريكا كريمة معي فعلًا. منحتني حرية الكلام والتعلم والنمو. أعاد لي الكرم الذي تلقيته من الشعب الأمريكي إيماني بالتضامن العابر للحدود. لكن المنفى له ثمن.
لقد فقدت اللغة التي عشتُ بها، اللغة التي حملت نكاتي وسبابي وصلواتي. فقدت عائلتي وأصدقائي وإيقاع عالمي القديم. بدأتُ من الصفر. وجدتُ الحب، وبنيت صداقات، وبدأتُ في صياغة هوية جديدة – كمهاجر أمريكي اختار أن يُجبر نفسه على الإيمان بالحلم الأمريكي، لأن أمثالي لا يملكون رفاهية اختيار حلم آخر.
ومع ذلك، بدأتُ أتشكك في هذا الحلم. أتذكر مشاهدة بايدن يعلن فرض العقوبات على روسيا ويجمد أصولها. وبعد عام، وبعد زيارته لإسرائيل، أعلن الحرب على غزة، مرسلًا القنابل لقتل الأطفال. حينها أدركتُ أن هذا البلد لم يكن ينجرف نحو العسكرة فحسب، بل كان يغرق في دوامة من الجنون. جنون ليس حتى كالذي ظهر في غزو العراق أو كما تُسمى “عملية الحرية”، بل جنون أكثر برودةً، منفصلٌ حتى عن الأخلاقيات التي تكونت في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.
أكثر ما أدهشني لم يكن السياسات فحسب، بل رد الفعل الأمريكي السخيف على هذه السياسات. تعامل الناس معها وكأنها رحلة استجمام ويوغا – “سلام ومحبة للجميع” – كما لو أن هذه السياسات ستأتي بلا ثمن. ظللتُ أُحذرهم: أولًا سيأتون لأخذ الطلاب. ثم سيُشيعون جوًا معاديًا للأجانب. ثم سيُعيدون ترتيب الهياكل العسكرية والأمنية بهدوء. ثم سيسحقون القضاء. وأخيرًا، سيأخذون كل ما تبقى – الحرية والمؤسسات والثروة. أقول هذا ليس كنبوءةً، بل لأن هذا ما رأيته رأي العين.
الآن، صديقتي المتحولة جنسيًا في ولاية يوتاه لا تستطيع تجديد جواز سفرها. صديق آخر، وهو ناشط نقابي أبيض، طُلب منه مسح حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي واستخدام هاتف محمول مؤقت لكي يستطيع زيارة كندا بأمان. ومع كل هذا، تختفي السردية المقابلة. لا نرى سوى مجرد صمت مذهول. إن هذا العجز الفكري، هذا الاستسلام الهادئ من قبل الأكاديميين الأمريكيين، هو أكثر ما يصدمني.
في بلدي، احتل الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الشوارع لأشهر مطالبين بالحرية الأكاديمية. قُتل أكثر من 20 طالبًا. وسُجن أو نُفي الكثيرون. ولكن هنا؟ يرسل ترامب رسالة، والجامعات تُسلم بيانات الطلاب أسرع من طلب استرجاع من أمازون! أنا لست خائفًا من ترامب أو سياساته. أشعر بالخجل من المؤسسات التي انهارت، والمثقفين الذين استسلموا دون قتال. أما ما كسرني حقًا فهو إدراكي أنه حتى لو أردت المقاومة، لا توجد حركة كي أنضم إليها.
لذلك نعم، أُعيد التفكير في كل شيء. لهذا السبب أبحث الآن عن فرص عمل في قطر أو دبي، ليس فقط كي أنقذ نفسي، ولكن ربما لمساعدة أصدقائي الأمريكيين أيضًا. عليك فقط أن تتعلم الصمت، لكن لا تقلق، لن يكون الأمر صعبًا، فأنت تقوم بذلك بالفعل في عهد ترامب.
خبير علوم سياسية
عندما فررتُ من وطني، أتيتُ إلى الولايات المتحدة لا بحثًا عن الأمان فحسب، بل عن شيء أكثر هشاشةً وندرةً: الكرامة. كرامة التعبير عن الرأي دون خوف، والمساهمة في الحياة العامة دون مراقبة أو إسكات أو عقاب. كنتُ آمل أن أجد ديمقراطيةً ترتقي إلى مستوى القيم التي تروّجها بثقة هائلة. بشكل ما وجدتُ ذلك؛ فهناك مساحة للتنفس والبناء والدراسة والتحدث. لكن في الكثير من المساحات يبدو الواقع مُقلقًا. فلا يزول شعوبي بالهشاشة أبدًا. قد لا يرتدي التهديد هنا زيًا عسكريًا، لكنه يرتدي بدلة، ويُسنّ التشريعات، ويستغل خوف الجمهور، ويُؤجج غضبًا محسوبًا وانتقائيًا. لقد وجدتُ ملاذًا، نعم، ولكني لم أجد الاستقرار بعد. ما زلتُ أعيش وفي اعتقادي أن الأمان هنا مشروط، وأن العدالة هنا غالبًا ما تكون غير متكافئة.
للأسف، ما يُقلقني هو كم الألفة التي أعرف بها هذه الآليات: كيف يُعاد تأطير المعارضة على أنها خطر على البلاد، وكيف تُجرّم أصواتٌ معينة بينما تحمي القوانين نفسها أصواتًا أخرى. لقد عشتُ في ظل نظامٍ ساوى بين النقد والخيانة، ومن المُقلق أن نرى أصداءً لذلك هنا، لا سيما في معاملة المدافعين عن القضية الفلسطينية. قد تختلف الأدوات، لكن التكتيك واحد: العزل، وتشويه السمعة، والترهيب. وبمجرد أن تختبر القمع، يمكنك أن تستشعر علاماته الأولى، حتى عندما يُصرّ الآخرون على أنه مجرد “سياسة” أو “مصلحة وطنية”. لقد جعلني أشعر بالانكشاف بطرق لم أكن مستعدًا لها.
هناك مفارقة في النجاة من ديكتاتورية ثم الشعور بالضعف مرة أخرى في قلب ما يُفترض أنه عالم حر. عندما يتحدث القادة السياسيون عنا نحن المهاجرين أو العرب أو المسلمين أو المتظاهرين بطرقٍ تقدمنا في صورة تهديد، فإن ذلك يُرسل رسالةً واضحةً: انتماؤكم هنا هش، صوتكم مُحفوفٌ بالمخاطر. إنه يُجبركم على الاختيار بين الصمت والخطر، خيارٌ كنتُ آمل أن أكون قد تركته خلفي. وبالنسبة لشخص دفع بالفعل ثمنًا باهظًا لقول الحقيقة للسلطة، فهذا تذكير قاسٍ بمدى سهولة تآكل الحرية، حتى هنا.
أشعر أن الأمر شخصي للغاية. إنه ليس مجرد موقف سياسي، إنه علم أحمر بأن نفس آلية القمع التي هربتُ منها ذات يوم تكتسب قوة هنا. عندما تبدأ الحكومة في معاقبة التعبير الذي لا توافق عليه، وخاصة التعبير الذي يدافع عن حقوق الإنسان، فإنها لم تعد تحمي الديمقراطية، بل تخونها. ما تفعله إدارة ترامب ليس مجرد حملة قمع على مجموعة محددة؛ إنه طلقة تحذيرية لكل من يؤمن بالعدالة والتضامن والمساءلة. أرى فيه نفس الدافع الاستبدادي المدفوع بالخوف الذي حاربتُه طوال حياتي. ويذكرني بأن المنفى ليس دائمًا فعلًا نقوم به لمرة واحدة؛ في بعض الأحيان، عليك أن تستمر في المقاومة، حتى داخل الأماكن التي كنتَ تعتقد أنها آمنة في السابق.
خبير قانوني
عندما فررت من موطني، كنت أبحث عن حرية التعبير، وكل تلك الحريات التي لم تكن متاحة لي هناك. فقد كنت أخشى الاعتقال لا لشيء سوى لإبداء رأيي السياسي. أعلم أنه لا يوجد بلد مثالي، لكنني جئت إلى الولايات المتحدة طلبًا للأمان والحرية.
في بلدي الأم، كنا نضطر لحذف تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي وجهات الاتصال لكي لا نُضطهد أو نعاقب، واليوم في الولايات المتحدة يدور الحديث أيضًا حول حذف وجودك على وسائل التواصل الاجتماعي لتجنب الاعتقال أو
التفتيش في المطارات أو في الشوارع. يبدو الوضع مشابهًا بشكل مخيف للبيئة القمعية التي هربت منها.
إنني أرى طوال الوقت أوجه تشابه بين القمع الذي عشته هناك وما أشاهده في الولايات المتحدة اليوم، خاصة خوفي من التعبير عن أي رأي معارض، أو ممارسة أي نشاط سياسي ذا معنى. نراقب أنفسنا ذاتيًا باستمرار كما كنا نفعل في بلداننا، رغم أن التعديل الأول للدستور الأمريكي من المفترض أن يحمي مثل هذه الحريات. السياسات الأمريكية الأخيرة، خاصة توثيق العلاقات مع الديكتاتوريين الذين هربنا منهم، تزيد من شعوري بالخوف. والآن تبدو احتمالية مواجهة تهم ملفقة أو حتى التسليم أو الترحيل إلى أنظمة قمعية تبدو حقيقة بل وشيكة. ربما يكون استهداف إدارة ترامب للأصوات الداعمة لفلسطين أمرًا شائنًا على وجه خاص، لكنه من جانب آخر يشير إلى أن مجتمعي قد يكون المستهدف تاليًا. فحين تُستهدف وتُقمع أي آراء سياسية، فإن ذلك يفتح الباب لاضطهاد جميع المعارضين. بمجرد استهداف مجموعة واحدة، تصبح كل المجموعات الأخرى معرضة للخطر، ولا يصبح أي أحد في مأمن حقيقي من القمع.
ناشط مؤيد للديمقراطية
عندما اخترت الرحيل عن وطني والعيش في الولايات المتحدة، كنت أختار حرية التعبير وحرية التجمع والحق في الاختيار. هي الحريات التي أعلم أني لن أتمتع بها لو عدت إلى بلادي. لكن اليوم، في ظل إدارة الرئيس ترامب أصبحت الولايات المتحدة تمامًا مثل الدولة الاستبدادية التي هربت منها. ففي أميركا التي يقودها ترامب، أصبحت حقوق الإنسان التي لا يمكن حرمان أي شخص منها حق للمواطنين فقط، وأصبح مجرد التعبير عن الرأي كفيلًا بنقلك إلى أحد مراكز الاحتجاز التابعة لإدارة الهجرة والجمارك ICE بلا أي إجراءات قانونية.
إن الالتفاف حول قضية إنسانية كحقوق الفلسطينيين أصبح خيارًا مؤذيا الآن في الولايات المتحدة. لقد تراجع الحلم الأميركي المؤمن بالفرصة والمساواة والحق في السعي وراء السعادة، بل واختفى تمامًا بالنسبة للبعض في الولايات المتحدة اليوم. أحيانا أتساءل عما إذا كانت الديمقراطية والفصل بين السلطات مفاهيم حقيقية في الولايات المتحدة أم أنها مجرد لوحات فنية جميلة لا تعكس أي واقع حقيقي! إنني أتساءل أيضًا ما إذا كنت قد هربت من نظام استبدادي لأقع في براثن آخر!
محلل سياسي
لقد خشي الكثير ممن خاضوا تجربة اللجوء السياسي، وأنا منهم، من أن تؤدي هذه السياسات القاسية المتصاعدة إلى اتخاذ قرارات بالترحيل القسري من الولايات المتحدة. هناك ضوء بالطبع، فقد تواصل معي محامون وعرضوا عليّ المساعدة خلال هذه الأوقات العصيبة. إن سياسات الإدارة الحالية تشير بوضوح إلى أن حرية التعبير ليست سوى حبر على ورق، ويظهر ذلك بوضوح في قضايا بعينها. وكما هو الحال في العديد من دول العالم، يُستخدم “الإرهاب” كحجة لإضفاء الشرعية على عملية إخراس الناس.
مدافعة عن حقوق الانسان
قلبي محطمٌ بسبب ما آلت إليه الأمور في العامين الماضيين، ويزداد الأمر سوءاً يوماً بعد يوم مع الإدارة الحالية والهجمات اللاإنسانية على النشطاء والمهاجرين وكل من يجرؤ على الدفاع عن القضايا المهمة بالنسبة لهم.
لم تكن هذه هي الحياة التي تخيلتها، ولا الحياة التي طمحتُ إليها. ترعبني أوجه التشابه بين القمع في الولايات المتحدة اليوم وبلادي. نفس الشعور، ونفس الخوف، ونفس التهديد. إن استخدام الخوف هناك وهنا، والتساؤل الدائم عمّا قد يحدث بسبب التعبير عن رأينا متشابهان للغاية، وهو أداة فعّالة للمستبدين لردع الناس عن التعبير عن آرائهم أو التجرؤ على معارضة الحكومة. أشعر بعدم الأمان عند مغادرة منزلي، ولا أستطيع النوم جيدًا، وأخشى الاختطاف أو الاحتجاز، وأجد نفسي أُجهّز حقيبتي استعدادًا للمغادرة، وأجدني خائفًة من ممارسة أحد أنشطتي المُفضّلة: المشي في الشارع!
محامي
فعندما تُرحّل حكومة الولايات المتحدة – بل بتدخل الرئيس نفسه – اللاجئين، أو تضطهد مجتمع الميم، أو تقمع الحركات الطلابية، فإن ذلك لا يؤثر على الولايات المتحدة فحسب، بل يُرسل هزات ارتدادية في جميع أنحاء العالم، ويخلق عقبات وتحديات كبيرة لمنظمات حقوق الإنسان والناشطين في كل مكان. لقد جعلني هذا التهديد أشعر بنفس الخوف الذي شعرت به في وطني: أنني لستُ بأمان، وأنني مضطرٌّ لفرض رقابة ذاتية على نفسي ومراجعة ما أكتبه باستمرار، بل والتفكير في تغيير مساري المهني بالكامل لأنه أصبح مهددًا – ليس فقط بسبب سياسات ترامب، بل أيضًا من الهجمات المُستهدفة من جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل. إن استهداف الإدارة الأمريكية للاجئين وطالبي اللجوء – سواءً بسبب دعمهم لفلسطين أو وضعهم كمهاجرين – يعكس تحولًا تجاه انتهاكات حقوق الإنسان بشكل يشبه تمامًا تلك التي ترتكبها الأنظمة الديكتاتورية في الشرق الأوسط وأفريقيا، وهي نفس السلوكيات التي أدانتها وزارة الخارجية الأمريكية سابقًا باعتبارها انتهاكات لحقوق الإنسان.
Related Work
|
We Fled This Before: Human Rights Defenders from the Middle East on Rising Authoritarianism in the United States
|
U.S. Entry & Safety Guide for Green Card Holders, Visa Holders, and Visitors
|
Middle East Democracy Center Names Joel Campagna as Interim Executive Director
MEDC’s newsletters bring you news, analysis, and insights about democracy and human rights in the Middle East and North Africa.