تتابع المؤسسات الحقوقية الموقعة أدناه بقلق بالغ تصاعد الانتهاكات الممنهجة داخل مراكز الإصلاح والتأهيل المصرية، وعلى رأسها مركز إصلاح بدر ومركز العاشر ومركز إصلاح الوادي الجديد، حيث باتت محاولات الانتحار الجماعية، إلى جانب الإضرابات المتواصلة عن الطعام، مؤشرات دامغة على التدهور الكامل لأوضاع الاحتجاز، وعلى تفشي سياسات الإذلال والتعذيب التي تُمارس بشكل منهجي ضد السجناء السياسيين، في ظل غياب أي رقابة قضائية فعالة، وتواطؤ مؤسسات الدولة المعنية بحقوق الإنسان.
وكانت وزارة الداخلية في أكتوبر من عام 2021 افتتحت مجمع مراكز وادي النطرون -الذي يضم 6 مراكز- وفي ديسمبر من العام نفسه افتتحت مجمع مراكز إصلاح وتأهيل بدر، ولاحقًا افتتحت غيرهم من مراكز الإصلاح والتأهيل، ومراكز الإصلاح الجغرافية -السجون المركزية سابقًَا- في مختلف محافظات الجمهورية.وفي الوقت نفسه روجت السلطات للسجون الجديدة بكونها تساهم في تحسين الأوضاع المعيشية للسجناء وتطوير الفلسفة العقابية نحو إصلاح السجناء وتأهيلهم. ولكن على أرض الواقع وبشهادات السجناء وذويهم لا تختلف تلك المراكز عن السجون القديمة سوى في الاستخدام التعسفي للتكنولوجيا. ويبرز مركز إصلاح بدر 3 كأحد النماذج على فشل الدولة في الوفاء بالتزاماتها الحقوقية والقانونية، رغم الترويج الرسمي له باعتباره نموذجًا وفي واقعة مشابهة، حاول أحد السجناء، البالغ من العمر 61 عامًا، إنهاء حياته يوم 4 يوليو 2025 عبر ذبح نفسه أمام كاميرات المراقبة داخل زنزانته في مركز إصلاح بدر 3. وقد تم نقله إلى المستشفى في حالة حرجة، حيث جرت محاولات لإنقاذه. وبحسب المعلومات التي حصلت عليها المؤسسات الحقوقية، شهد السجن في اليوم ذاته محاولتي انتحار أخريين؛ الأولى لسجين حاول شنق نفسه، والثانية لمعتقل أقدم على قطع شرايينه بأسنانه، في احتجاج يائس على ظروف الحبس غير الإنسانية، والتجريد المتكرر، والحرمان التام من الزيارة والتواصل مع أسرته.
في 15 أبريل الجاري، أقدم السجين “علاء جمال“ – 29 عاما ويقضي عقوبة بالسجن 15 عاما – على محاولة الانتحار، وذلك على خلفية منعه من الزيارات العائلية لفترة طويلة. وعلى الرغم من السماح له مؤخرًا باستقبال زيارة، فقد تعنتت إدارة السجن في إدخال المتعلقات التي أحضرها له ذويه. وحين هدّد بالانتحار، عوقب بإيداعه في زنزانة التأديب، وهو ما دفعه في النهاية إلى تنفيذ تهديده ومحاولة إنهاء حياته. قبل أن يتم إنقاذه، ونقله إلى المستشفى.
وفي واقعة مشابهة، حاول أحد السجناء، البالغ من العمر 61 عامًا، إنهاء حياته يوم 4 يوليو 2025 عبر ذبح نفسه أمام كاميرات المراقبة داخل زنزانته في مركز إصلاح بدر 3. وقد تم نقله إلى المستشفى في حالة حرجة، حيث جرت محاولات لإنقاذه. وبحسب المعلومات التي حصلت عليها المؤسسات الحقوقية، شهد السجن في اليوم ذاته محاولتي انتحار أخريين؛ الأولى لسجين حاول شنق نفسه، والثانية لمعتقل أقدم على قطع شرايينه بأسنانه، في احتجاج يائس على ظروف الحبس غير الإنسانية، والتجريد المتكرر، والحرمان التام من الزيارة والتواصل مع أسرته.
لا يمكن قراءة محاولات الانتحار تلك كوقائع فردية معزولة، بل تأتي ضمن نمط ممنهج من محاولات الانتحار والانهيار النفسي داخل مركز بدر 3، الذي تحول إلى “عقرب” جديد. وقد تم توثيق مئات الحالات المماثلة منذ افتتاحه، وسط ظروف احتجاز قاسية تشمل العزل الانفرادي المطوّل، الحرمان من التريض، المنع التام من التواصل مع المحامين والأهل، والإهمال الطبي المنظم، لا سيما في صفوف السجناء المنقولين من سجن طرة شديد الحراسة ٩٩٢ (العقرب)، الذين قضى بعضهم أكثر من 9 سنوات دون أن يُسمح لهم بزيارة واحدة.
في ظل هذه الانتهاكات أعلن العشرات من سجناء قطاع 2 بمركز بدر 3 دخولهم في إضراب مفتوح عن الطعام منذ 20 يونيو 2025، احتجاجًا على ما وصفوه بالإجراءات الانتقامية، مؤكدين أن إدارة المركز تتعمد دفعهم نحو الموت البطيء, وقد أبلغوا القاضي محمد سعيد الشربيني اثناء المحاكمة باضرابهم عن الطعام في جلسة 5 يوليو الجاري.
وفي موازاة الانتهاكات الجارية في مركز بدر 3، يشهد مركز الوادي الجديد تصاعدًا خطيرًا في سوء المعاملة، حيث دخل نزلاء عنبر 8 أسبوعهم الثاني من إضراب مفتوح عن الطعام، احتجاجًا على التعذيب اليومي وانعدام أدنى مقومات الحياة. هذا المركز، المعزول في قلب الصحراء الغربية، تحوّل إلى مساحة مغلقة للتعذيب الممنهج، بإشراف مباشر من ضباط الأمن الوطني، حيث تُمارَس فيه أشكال مهينة من العقاب، بينها ما يعرف ب”حفل الاستقبال” أو التشريفة واشكال تعذيب اخري ، والحبس في زنازين مكتظة تُعرف بـ”المصفحة”، و”التأديب” الذي يُجبر فيه السجناء على الوقوف لساعات شبه عراة وسط ظروف غير إنسانية بحسب إفادات سجناء سابقين.
كشفت رسالة مسربة من المركز عن حالات تعذيب حتى الموت ومحاولات انتحار جماعية، إلى جانب شهادات عن سجناء حُرموا من الطعام، والزيارات العائلية، والرعاية الطبية.
كما يسجل مركز إصلاح العاشر من رمضان منذ افتتاحه في فبراير 2023 نمطًا واضحًا من الانتهاكات الجسيمة بحق السجناء السياسيين ، في 22 يونيو 2025، وثّقت منظمات حقوقية واقعة اختفاء سبعة سجناء سياسيين من داخل غرفة (29) بالمركز،.كما تم توثيق، وفي مطلع هذا العام وتحديدًا في يناير 2025، تعرض عددًا من المحتجزين في مركز العاشر لعقوبات جماعية عقب مشاركتهم في احتجاجات وإضرابات عن الطعام داخل المركز، اعتراضًا على أوضاع الاحتجاز السيئة. شملت هذه العقوبات نقلًا قسريًا/ تغريب إلى سجون نائية، والحرمان التام من الزيارة والتواصل مع أسرهم، إذ تعد سياسات التغريب أو الترحيل إلى سجون بعيدة من أكثر الأساليب التي تتبعها إدارات السجون لإيقاف أي تحركات احتجاجية ضد أوضاع السجناء داخل السجون. وتعتمد هذه السياسات على تشتيت السجناء ما بين السجون المختلفة، مما يؤدي إلى تقليل فرص تنسيق الإضرابات، وأيضًا تمثل عقوبة إضافية للمحتجزين عبر إبعادهم عن أسرهم وأماكن إقامتهم.
إن ما يحدث اليوم في مراكز إصلاح وتأهيل بدر والوادي الجديد والعاشر من رمضان، ومراكز أخرى في مصر، لا يمكن النظر إليه كحوادث فردية أو تجاوزات معزولة، بل هو سياسة ممنهجة وممارسات يومية من التعذيب الجسدي والنفسي، والعزل المطوّل، والحرمان من الحقوق الأساسية المكفولة لهم بموجب القانون.
لقد تحوّلت السجون الجديدة، التي روّجت لها الدولة بوصفها “مراكز إصلاح وتأهيل حديثة تراعي معايير حقوق الإنسان”، إلى سجون سيئة السمعة، تُدار بتقنيات المراقبة الشاملة والعزل التام،والإهمال الطبي المتعمد، فبحسب رصد المفوضية المصرية للحقوق والحريات توفي حوالي 143 سجين خلال الفترة ما بين عام 2022 إلى يونيو 2025.
وتُحمّل المؤسسات الموقعة أدناه كلًّا من: وزارة الداخلية، وقطاع الحماية المجتمعية -مصلحة السجون سابقًا-، وجهاز الأمن الوطني، والنيابة العامة المصرية،ووزير الدخلية ورئيس الجمهورية بصفته المسؤول التنفيذي الأعلى في الدولة، المسؤولية الكاملة عن حياة وسلامة جميع السجناء السياسيين داخل مراكز إصلاح وتأهيل بدر (وخاصة بدر ٣ قطاع 2)، والوادي الجديد، والعاشر من رمضان.
وتؤكد المؤسسات أن استمرار هذا النمط من الإفلات من العقاب، والتستر على الانتهاكات الممنهجة، يُعرّض حياة مئات المحتجزين للخطر المباشر،، ويقوض أي أفق لاستقرار حقيقي قائم على العدالة وسيادة القانون.
وبناء على ما سبق، تطالب المؤسسات بـ:
- فتح تحقيق فوري وشفاف في محاولات الانتحار والانتهاكات الموثقة في مراكز إصلاح وتأهيل بدر والوادي الجديد.
- تشكيل لجنة تقصّي حقائق مستقلة بإشراف المنظمات الحقوقية الدولية.
- وقف جميع أشكال العقاب الجماعي بحق السجناء المضربين عن الطعام.
- تمكين جميع السجناء من حقوقهم الأساسية دون قيد أو شرط.
- -تفعيل المادة 60 من اللائحة الداخلية للسجون رقم 79 لسنة 1961 التي تنص على حق المحبوسين احتياطيًا في أربع زيارات شهريًا، وللمحكوم عليهم زيارتين شهريًا[1].
- توقيع مصر على البروتوكول الاختياري الخاص باتفاقية مناهضة التعذيب، وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللا إنسانية، وما يستتبع ذلك من قيام منظمات دولية بزيارات ميدانية داخل السجون في مصر، بما يفتح المجال لمعرفة أكثر وواقعية أوضاع أماكن الاحتجاز، فضلًا عن وجود رقابة مستقلة بعيدًا عن السلطة التنفيذية.
كما تُجدد المؤسسات الموقعة دعوتها إلى تبنّي مقترح المعايير والضوابط للإفراج عن جميع السجناء السياسيين في مصر الذي قدّمته المؤسسات الحقوقية المصرية في مايو 2022، باعتباره خارطة طريق قانونية وحقوقية لإنهاء أزمة السجناء السياسيين في مصر. ويضع هذا المقترح أسسًا واضحة لعملية إفراج عادلة ومنظمة، تشمل المراجعة الفورية لجميع أوامر الحبس الاحتياطي، والإفراج عن المحتجزين الذين تجاوزوا الحد القانوني الأقصى للحبس الاحتياطي، بهدف الإفراج عن جميع المسجونين على خلفية اتهامات ذات طابع سياسي، بحيث لا يبقى في مصر أي سجين سياسي.ونشدد على ضرورة التزام الآلية المكلفة بهذا الملف بـمعايير العدالة، والشفافية، والشمول، والاستعجال، لضمان إنهاء هذه الأزمة المزمنة بما يتوافق مع القانون والدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
إن هذه المطالب لا تمثل فقط استجابة حتمية لمعاناة المعتقلين الذين يُدفعون يوميًا نحو حافة الانهيار والانتحار، بل تُعد أيضًا واجبًا قانونيًا وأخلاقيًا يقع على عاتق الدولة المصرية ومؤسساتها المعنية. وهي حقوق أصيلة لا تسقط بالتقادم، بل يشكل الاستجابة لها مؤشرًا سياسيًا جوهريًا على جدية الدولة في معالجة الأزمة الحقوقية، وبدء مسار حقيقي نحو إصلاح سياسي وإنساني يُنهي دوامة القمع والإفلات من العقاب.
: المؤسسات الموقعة
1. منصة اللاجئين في مصر
2. المفوضية المصرية للحقوق والحريات
3. حقهم للدفاع عن سجناء الرأي
4. مركز النديم
5. المنبر المصري لحقوق الإنسان
6. ريدوورد لحقوق الإنسان وحرية التعبير
7. هيومينا لحقوق الإنسان والمشاركة المدنية
8. مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان
9. مؤسسة دعم القانون والديمقراطية
10. مركز ديمقراطية الشرق الأوسطMEDC
11. الشبكة المصرية لحقوق الانسان