English

تعاني مصر من الركود الاقتصادي، والقمع المستمر، والجمود السياسي، كذلك تواجه تحديات إضافية بسبب الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة. حتى نهاية عام 2022، شهدت سيناء هجمات الجماعات المسلحة، حملة الجيش المصري والميليشيات المتحالفة معه، التي صحبها تهميش للسكان وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. تفاءل أهالي سيناء عام 2023 حين أزيلت العديد من القيود على حرية التنقل، وتمكن السكان من الاستفادة من الانفتاح الجزئي في تنظيم تجمعات سلمية واحتجاجات واعتصامات تطالب بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية.

منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر، عادت سيناء إلى حالة العسكرة الملحوظة، وبدأت مصر باتخاذ تدابير لتأمين حدودها مع فلسطين وإسرائيل. احتمالية غزو رفح من قبل إسرائيل قد عززت المخاوف الأمنية لدى القاهرة مع والحديث عن إجبار الفلسطينيين على النزوح إلى سيناء. في الوقت نفسه، يقوم جنرالات الجيش عن طريق شركات ذات صبغة مدنية بانتزاع مبالغ طائلة من الفلسطينيين مقابل خروجهم من غزة عبر الأراضي المصرية.

تعمل مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان (SFHR) على توثيق التطورات الأمنية وحقوق الإنسان في سيناء منذ 2020. في فبراير 2024، أصدرت المؤسسة تقريرًا استنادًا إلى شهادات الشهود والصور والفيديوهات حول بناء السلطات المصرية لمنطقة عازلة على الحدود بين غزة وإسرائيل في شمال سيناء. حصل التقرير على تغطية صحفية عالمية، بما في ذلك تحليل صور الأقمار الصناعية الذي أكد ما وثقته المنظمة. منذ ذلك الحين، شاركت عدة شخصيات وكيانات مؤيدة للحكومة المصرية في حملة تشويه عدوانية ضد SFHR ومديرها التنفيذي في التلفزيون، الصحف، ووسائل التواصل الاجتماعي.

في هذه الأسئلة والاجوبة، يتحدث المدير التنفيذي لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان أحمد سالم مع ياسمين عمر من مركز ديمقراطية الشرق الأوسط عن عمل المؤسسة وتأثير حرب غزة على الأمن في سيناء واستهدافه بسبب عمله.

 

مركز ديمقراطية الشرق الأوسط: تقوم مؤسسة سيناء بتوثيق الانتهاكات الحقوقية في سيناء على مدار سنوات. هل يمكنك وصف الوضع الأمني وحقوق الإنسان في سيناء قبل السابع من أكتوبر؟

أحمد سالم: منذ تولي الرئيس السيسي السلطة في مصر و إطاحته بنظام محمد مرسي، اندلعت نزاعات مسلحة بين الجيش وجماعات مسلحة متطرفة، التي اتحدت لاحقًا وبايعت تنظيم الدولة الإسلامية. كانت السلطات المصرية حريصة على منع صدور تقارير مستقلة عن سيناء، سواء حقوقية أو صحفية، ما جعل من المستحيل عمليًا إجراء تحقيقات أو أبحاث مستقلة بسبب التعامل الأمني العنيف. مثال الصحفي احمد أبو دراع والباحث إسماعيل الإسكندراني اللذين أحيلا لمحاكمة ظالمة وتعرضا للسجن بسبب تغطيتهما أوضاع سيناء.

تناولت تقارير منظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، على مدار عشر سنوات، جرائم حرب محتملة ينبغي أن تحقق فيها جهات مستقلة. شملت هذه الانتهاكات عمليات تهجير قسري واسعة، تجريف للمزارع ومصادر رزق السكان المحليين، وآلاف من حالات الاختفاء القسري المستمرة لليوم، إضافة إلى استخدام العقاب الجماعي ضد السكان الذين عانوا بالفعل من عقود من التمييز والتهميش، والاعتقال التعسفي، والتعذيب داخل مراكز الاحتجاز، وعمليات القتل خارج نطاق القانون، التي شارك فيها الجيش والشرطة والمليشيات القبلية الموالية للجيش.

كنشطاء وأبناء لقبائل سيناء، دفعتنا هذه الانتهاكات الممنهجة و المتفشية، للتعاون مع المنظمات الدولية والصحفيين لإصدار التقارير والتواصل مع السكان المحليين لتوثيق رواياتهم وشهاداتهم. كان الهدف صعبًا، لكن كان من الضروري سماع صوت السكان للحد من الانتهاكات وتوفير نوع من الحماية لهم، وكذلك خلق فرص للمحاسبة في المستقبل.

قمنا بتأسيس مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان عام 2020 وسُجلت في المملكة المتحدة. ونتيجة لرفض السلطات المصرية تجديد جواز سفري الذي كان يوشك على الانتهاء، اضطررت للانتقال إلى بريطانيا برفقة أسرتي. واجهت تحدياً كبيراً كوني زوجًا وأباً لثلاثة أطفال، حيث كنت بحاجة لتوفير حياة مستقرة لهم. كذلك ابتعدت عن الحياة الأكاديمية بعد فصلي تعسفياً من جامعة العريش في سيناء، لأبدأ حياة جديدة في بريطانيا، وذلك لتوفير موطن بديل لأسرتي حتى نتمكن من العودة إلى مصر يوماً ما.

تركت تلك الانتهاكات التي تعرض لها أهالي سيناء آثارها الممتدة حتى بعد نهاية النزاع المسلح بين عامي 2013 و 2023. تعرض الآلاف من السكان الأصليين في المنطقة للتهجير لسنوات، وحتى الآن لم يتلقَ الكثير منهم أي تعويضات عن المنازل، الأراضي، أو المزارع التي دمرت أو جرفت أو صودرت في شرق سيناء، في رفح والشيخ زويد. حتى الذين حصلوا على تعويضات متواضعة جداً يمثلون أقلية من بين السكان الذين فقدوا ممتلكاتهم.

من المقلق كذلك أن آلاف الأسر لا تزال تعاني من ويلات الاختفاء القسري، وهي ظاهرة متفشية في مصر عمومًا لكنها تتجلى بوضوح في سيناء. هناك آلاف الأشخاص المفقودين منذ 7 أو 8 سنوات، لم تعرف أسرهم شيئاً عن مصيرهم حتى الآن. هذا يضع الأسر تحت ضغط شديد بالإضافة إلى أنه يتعذر عليهم استخراج الوثائق الرسمية لأقربائهم المفقودين.

إضافة إلى ذلك، فقد الآلاف من المهجرين مصادر أرزاقهم ولم توفر الحكومة أماكن بديلة للمعيشة أو فرص عمل. يعيش كثير منهم الآن في بيوت بدائية في الصحراء، وفي ظروف اقتصادية فظيعة. تسرب الآلاف من الطلاب من التعليم بسبب هدم المدارس واستُغلوا في العمليات العسكرية لأغراض المراقبة أو المشاركة في الحرب.

أحد التقارير المؤثرة التي أصدرناها، كان بعنوان «كنت خائفًا، كان عمري في السابعة عشرة فقط»، الذي وثّق تجنيد الأطفال في النزاع المسلح منذ 2013. تم استغلال الأطفال من سن 21 سنة في أعمال المراقبة والتجسس والمشاركة في العمليات المسلحة، مما أدى إلى مقتل بعضهم وإصابة آخرين. بناءً على هذا التقرير، أُضيفت مصر إلى قائمة الخارجية الأمريكية للدول المتورطة في الاتجار بالبشر في 15 سبتمبر 2023، لكن الرئيس بايدن استثنى مصر من العقوبات المالية المرتبطة بذلك.

كما نشرنا تقارير مشتركًة مع هيومن رايتس ووتش عن عن التهجير القسري والتعويضات، وآخر يكشف عن معاناة فتيات وسيدات لهن صلة بأفراد من تنظيم الدولة تعرضن للتنكيل على يد السلطات، وبعضهن تعرضن للتعذيب ويُحتجزن دون محاكمة. كذلك كشف تقرير آخر عن صفقات عفو غامضة مع عناصر وقيادات من داعش في سيناء.

ونشرنا تقريرًا عن الحقوق الاجتماعية والحق في التعليم، يوثق تعرض أكثر من 130 مدرسة للاستخدام العسكري أو الهدم، وتسرب آلاف الطلاب من التعليم. ونتيجة لهذا التقرير، قدمت لجنة حقوق الطفل في الأمم المتحدة توصيات غير مسبوقة للحكومة المصرية، بما في ذلك السماح لمنظمات الرصد الدولية بالوصول إلى سيناء، وإجراء تحقيقات في مزاعم تجنيد الأطفال والتعذيب والاختفاء القسري.

 

كيف أثرت الحرب الإسرائيلية في غزة على الوضع الأمني وحقوق الإنسان في سيناء؟

تأثرت سيناء بشكل ملحوظ بعد الحرب، حيث برزت تحديات جديدة، خاصة للسكان الأصليين المهجرين من مناطقهم في شرق سيناء. قبل الحرب بشهور قليلة، كان هؤلاء السكان قد شاركوا في اعتصامات ومظاهرات احتجاجية، وأجريت جلسات تفاوض بينهم وبين الجيش، وتلقوا وعودًا رسمية بالسماح بعودتهم إلى أراضيهم في 10 أكتوبر 2023. بعد أن تعالت أصوات محلية بالحديث علنًا عن مأساة الاختفاء القسري وإعادة الإعمار.

ومع اندلاع الحرب وظهور خطط إسرائيلية محتملة لتهجير سكان غزة إلى شرق سيناء، ارتفعت مستويات القلق بين السكان. تراجعت الحكومة المصرية عن وعودها بإعادة السكان إلى قراهم. وفي 10 أكتوبر 2023، تظاهر السكان مطالبين بالعودة، ولكن تم التعامل معهم بطريقة تذكر بالأساليب الأمنية الصارمة التي استخدمت خلال النزاع المسلح. على الرغم من التحسن الأمني بعد هزيمة داعش، والذي تحقق بمساعدة السكان المحليين وأبناء القبائل، فقد استُخدم الرصاص الحي لتفريق المظاهرات واعتُقل العديد من المتظاهرين. كذلك تمت ملاحقة القيادات القبلية الداعية للاعتصام، واعتقلت وأحالت السلطات 53 مدنيًا لمحاكمات عسكرية.

عقب الحملة العسكرية، وبالرغم من النجاحات التي حققها الجيش المصري بمساعدة أبناء القبائل منذ نهاية 2021 حتى القضاء التام على تنظيم الدولة في 2022، شهدت سيناء تجدد مظاهر العسكرة. أُقيمت نقاط عسكرية جديدة في شرق سيناء وقُيدت حركة المدنيين بشكل ملحوظ في بعض المناطق. كما تعرض النشطاء الذين يحاولون التوثيق للملاحقة، وخصوصًا بعد نشر تقرير يرصد بناء منطقة أمنية جديدة على الحدود مع غزة في منطقة تابعة للجيش المصري. بعد اندلاع الحرب، اتخذ السيسي قرارات تتعلق بمصادرة أراضي السكان التي يمتلكونها منذ مئات السنين دون نقاش مجتمعي أو حوار مع أصحاب الأرض، لصالح القوات المسلحة ولمشاريع غير معلنة، مما أضر بمصالح أهالي سيناء بشكل كبير.

 

حظي تقرير مؤسسة سيناء حول بناء منطقة محصنة على الحدود مع غزة وإسرائيل في فبراير 2024 باهتمام دولي، ولفت الانتباه إلى المخاوف المتعلقة بالتهجير القسري للفلسطينيين في غزة. كيف ردت الحكومة المصرية على هذا التقرير؟

كشف التقرير عن تسارع أعمال البناء في منطقة تبلغ مساحتها حوالي 02 كم مربع في شرق سيناء. تضمنت هذه الأعمال إزالة أنقاض المنازل التي دُمرت خلال النزاعات المسلحة، وتمهيد التربة، وإنشاء جدران إسمنتية على الحدود بارتفاع حوالي 5 أمتار تعلوها أسلاك شائكة، مما يجعل الارتفاع الكلي للجدار حوالي 7 أمتار.

بدأت الأعمال تحت إشراف أمني مكثف، مما أثار شكوك فريق المؤسسة حول أهداف المشروع، خاصة أن العمال لم يُبلغوا بأهدافه الحقيقية. وتيرة البناء السريعة، حيث كلف العمال بإنهاء المشروع خلال 10 أيام، دفعتنا للتحقيق. اكتشفنا من خلال مصادر محلية وشركات المقاولات المتعاقدة أن السلطات المصرية تقوم ببناء حاجز على الحدود استعدادًا لاحتمال حدوث تهجير جماعي من غزة نحو سيناء.

تباينت تصريحات المسؤولين في الأيام التالية. أكد بعضهم أن البناء جزء من استعدادات أمنية، بينما أشار آخرون إلى أن المنطقة كانت معزولة أمنيًا منذ عام 2014. هذه التصريحات المتضاربة عكست عدم وجود تنسيق في السياسة الحكومية وزادت من الشكوك حول الأهداف الحقيقية للمشروع.

رغم التصريحات الرسمية المصرية التي ترفض التهجير القسري واستقبال سكان غزة، فإن التحركات العملية لم تظهر أي دعم فعلي لحقوق الفلسطينيين. كشف التحقيق الذي نشرته وول ستريت جورنال ومنصات أخرى، بعد التواصل مع مصادر أمنية مصرية، عن استعدادات لاحتمال نزوح جماعي من غزة، مما يبرز تناقضات السياسة المصرية.

في أعقاب نشر تقرير مؤسسة سيناء ، أظهرت تصريحات محافظ شمال سيناء ووزير الخارجية والمتحدث الرسمي للهيئة العامة للاستعلامات مزيجًا من الارتباك والتناقض. بعض التصريحات أكدت أن الأعمال جارية لتحصين الجدار الحدودي والاستعداد لكل السيناريوهات المحتملة، بينما وصفها آخرون بأنها تحديثات أمنية روتينية. صرح محافظ شمال سيناء بأن الأعمال جزء من جهود تقييم وتعويض السكان المهجرين، ودعا السكان المحليين لتقديم مستنداتهم للحصول على التعويضات، لكن سرعان ما تم إلغاء هذه الدعوة.

في اليوم التالي لنشر التقرير، رافق محافظ شمال سيناء بعض الصحفيين المحليين إلى المنطقة وأعلنها «منطقة لوجستية» للمساعدات الإنسانية لقطاع غزة، وتم توزيع سيارات المساعدات بشكل استعراضي للتصوير في مساحة محدودة. الآن وبعد مرور أربعة أشهر على إنشاء هذه المنطقة، لا تزال شاحنات المساعدات متراكمة داخل مدينة العريش وعلى الطريق الدولي المؤدي لرفح، بينما لم تعمل المنطقة اللوجستية إلا في مساحة محدودة للغاية لا تتعدى نصف كم مربع.

رغم اشتراك مصر مع دول أخرى في عمليات إنزال جوي للمساعدات، تبدو هذه الجهود مسرحية بالمقارنة مع الكارثة الإنسانية في قطاع غزة. يمكن إدخال المساعدات بشكل عملي عبر الطرق البرية. رغم التاريخ الطويل للأنظمة السياسية المصرية في دعم الشعب الفلسطيني، يبدو أن النظام الحالي يخالف هذا السياق بتغييرات كبيرة في السياسة الخارجية تجاه فلسطين وإسرائيل. هذا التغيير يعكس غياب الإرادة السياسية الحقيقية لدعم حقوق الفلسطينيين المشروعة مما يثير تساؤلات حول فعالية دورها كوسيط في هذا الصراع المستمر.

 

حملة التشهير العدائية ضدك وضد مؤسسة سيناء من قبل الشخصيات والكيانات المؤيدة للحكومة المصرية مثيرة للقلق. ما تأثير هذه الحملة عليك وعلى قدرة المؤسسة على أداء عملها؟

حملة التشهير ضدي وضد مؤسسة سيناء تثير القلق. في 14 فبراير، نشرنا تقريرًا يوثق عمليات البناء التي تقوم بها السلطات المصرية على الحدود مع غزة لاستقبال لاجئين في حال حدوث هجرة جماعية. التغطية الإعلامية الواسعة أثارت نوعًا من الهستيريا الأمنية، وتلي ذلك حملة تشويه بقيادة شخصيات معروفة بدعمها للنظام، حيث وُجّهت لنا اتهامات بالارتباط بالإرهاب وتلقي تمويلات أجنبية معادية، مما وضع جميع العاملين بالمؤسسة في خطر جسيم، خاصة أن معظمهم يعمل داخل مصر.

هذه الحملات العدوانية التي تتضمن معلومات مضللة وتحريض على العنف تسببت في مخاوف كبيرة لعائلتي ولعائلات العاملين بالمؤسسة. دفعتنا الظروف إلى التوقف عن الزيارات الميدانية للحفاظ على سلامة الزملاء. هذا الوضع يهدد استمرارية عملنا ويحد من قدرتنا على تقديم الدعم للمجتمعات التي نخدمها.الضغوطات لا تؤثر فقط على العاملين، بل تمتد إلى تهديد الأمن الشخصي لأفراد أسرهم. فقد يضطر بعض أعضاء الفريق إلى التخلي عن عملهم الحقوقي بسبب المخاطر، مما يُفقد المجتمع المدني أصواتًا فعالة في الدفاع عن الحقوق والحريات.

تقييد عمل المؤسسات الحقوقية يعوق التقدم نحو تحقيق العدالة في مصر. التشهير يهدف إلى إسكات الأصوات المستقلة التي تكشف الانتهاكات. لذا، من الضروري حماية حقوق العاملين في المجال الحقوقي وتأمين بيئة تمكنهم من أداء عملهم بدون خوف من التهديد أو الاعتقال.

نعمل على تعزيز تدابير الأمن الرقمي وتوفير التدريبات المتخصصة للفريق للتعامل مع المخاطر. أيضًا، نحرص على تعزيز الشراكات الدولية لحشد الدعم لقضيتنا. التشويه والتهديدات لا تهدف فقط إلى تقويض عملنا، بل أيضًا إلى التأثير على النسيج الاجتماعي للمجتمعات التي نخدمها وافقادهم الثقة فينا. نحن ملتزمون بتعزيز علاقاتنا المحلية وإعادة بناء الثقة مع المجتمعات، مؤكدين على التزامنا بالدفاع عن حقوقهم وتوفير الحماية اللازمة.

 

ما هي تداعيات غزو رفح والتهجير القسري المحتمل للفلسطينيين على الأمن في سيناء وعلى أهالي شبه الجزيرة؟ وكيف تساهم مؤسسة سيناء في التصدي لهذه المخاطر؟

تمتد تأثيرات العمليات العسكرية في رفح لتشمل تعقيدات أمنية وإنسانية على مستوى سيناء والمناطق المجاورة. الروابط العائلية والاجتماعية المشتركة بين سكان رفح المصرية والفلسطينية تخلق تشابكًا يؤثر بشكل مباشر في الأمن والاستقرار في سيناء. ويهدد القصف والتوغلات البرية حياة مئات الآلاف وتنذر بموجات نزوح قد تفاقم من التحديات الإنسانية والأمنية في المنطقة.

منذ عام 2014، واجهت سيناء تهجيرًا قسريًا لسكانها بمبادرة من السلطات المصرية، مما يزيد من صعوبة مواجهة تهجير فلسطيني محتمل. تتضمن هذه الإجراءات انتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في العودة، سواء للفلسطينيين المهجرين أو لسكان سيناء الأصليين.

في مؤسسة سيناء، نتخذ خطوات فعالة لمعالجة هذه التحديات. نعمل على التواصل المستمر مع الحكومات والهيئات الدولية مثل البرلمان الأوروبي والأمم المتحدة لرفع الوعي بجسامة الأوضاع ودفعهم للتحرك العاجل. وقد أصدرنا وشاركنا في عدة بيانات تطالب بتوفير الدعم الإنساني الفوري وحماية حقوق الفلسطينيين، بالإضافة إلى دعم حق سكان سيناء في العودة إلى ديارهم. كما قدمنا تقارير مفصلة حول التطورات الأمنية والإنسانية في المنطقة وساهمنا في كسر الحصار الإعلامي بتوفير معلومات وأدلة حصرية للصحافة العالمية.

 

يدفع الفلسطينيون مبالغ ضخمة للخروج من غزة عبر معبر رفح، كيف يؤثر هذا الوضع المأساوي على المصريين وعلى الوضع الإنساني الحرج للفلسطينيين في غزة؟

فشل المجتمع الدولي حتى الآن في إيقاف حرب الإبادة الجماعية في غزة. مرارًا وتكرارًا، عرقلت الولايات المتحدة مشاريع لوقف إطلاق النار، وحتى القرارات الصادرة عن محكمة العدل الدولية لم تُنفذ، بما في ذلك الأوامر بمحاسبة المحرضين على الإبادة الجماعية، وتسهيل المساعدات الإنسانية، ورفع الحصار عن غزة. كان ينبغي على المجتمع الدولي أن يعمل بشكل أكثر جدية لإيقاف المذبحة.

خلال الـ 15 عامًا الماضية، تعالت المطالبات بانسحاب الولايات المتحدة من منطقة الشرق الأوسط، لكن المتغيرات الجيوسياسية دفعتها للبقاء للحفاظ على مصالحها. عودة الولايات المتحدة للانخراط في المنطقة عبر هذه الحرب غير المسبوقة، التي شملت جرائم حرب بُثت على الهواء مباشرة، تسببت في مظاهر رفض واسعة في الشارع الأمريكي والجامعات وحول العالم. هذه السياسات تضر بسمعة الولايات المتحدة كقائدة للديمقراطية، وتضعها في مصاف الدول الديكتاتورية التي تنتهك القانون الدولي وتتجاهل شعوبها من أجل دعم إسرائيل. هذه السياسة للأسف لن تؤدي إلا إلى انتشار العنف في المنطقة وزيادة عدد المؤمنين بسبل التغيير العنيفة بعد فشل الدبلوماسية وآليات الحماية الدولية في حمايتهم.

تقارب واشنطن من الأنظمة السلطوية في المنطقة، والاعتماد عليها لتنفيذ سياساتها يمنح تلك الأنظمة الضوء الأخضر للاستمرار في التنكيل بشعوبها. بعد أن كانت الحكومة الأمريكية الحالية تعمل على ربط التعاون العسكري والدبلوماسي والاقتصادي بمعايير احترام حقوق الإنسان، تقوم الآن بتجاهل تزايد الانتهاكات مقابل التطبيع والصمت على قتل الفلسطينيين.

الفساد في معبر رفح هو استمرار لسياسة قديمة ومتجذرة. سيناء تعتبر حديقة خلفية لاستثمارات الفئات ذات النفوذ في السلطة المصرية والجيش. قبل الثورة، كان رجال الأعمال حسن راتب وحسين سالم المقربين من نظام حسني مبارك من أصحاب النفوذ في شبه الجزيرة. الآن، إبراهيم العرجاني، الذي له سجل جنائي سابق، يدير شركة تضم ضباطًا كبارًا سابقين.

لا تقتصر أعمال العرجاني على استثماراته في سيناء، بل تمتد لمشاريع إعادة إعمار غزة وليبيا. وتضم شركة العرجاني نخبة من ضباط الجيش السابقين ومنهم قيادات سابقة في جهاز المخابرات الحربية مثل نائب رئيس شركة هلا اللواء لؤي زمزم مدير المخابرات الحربية في شمال سيناء لعدة سنوات.

وتعكس طريقة عمل العرجاني طريقة تفكير من يقفون خلفه ويمنحونه السلطة. وقد ظهر العرجاني مع وفد رسمي للحكومة المصرية في زيارة للحكومة الليبية العام الماضي وفي بداية العام الحالي ظهرت أخبار عن حصول شركته «نيوم المصرية» على مشاريع انشائية في درنة وبنغازي واجدابيا. وبدلا من ان تعود هذه الشراكات الاقتصادية مع دول الجوار بالفائدة المباشرة على الاقتصاد المصري المترنح، يتم إعادة توجيه هذه المشاريع إلى واجهة مدنية تضخ الأموال الى حسابات الجنرالات بشكل مباشر، في ظل غياب تام للشفافية والمحاسبة.

 

الخبير

أحمد سالم أكاديمي مصري، المدير التنفيذي لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان التي شارك في تأسيسها. نُشرت أبحاثه ومقالاته في منصات صحفية ومراكز أبحاث مثل المجلس الأطلسي (أتلانتك كاونسل) ومدى مصر وغيرها.

 

الكاتبة

ياسمين عمر هي مديرة برنامج دعم الديمقراطية في مركز ديمقراطية الشرق الأوسط. هي محامية مختصة في القانون الدولي لحقوق الإنسان وركزت خلال مسيرتها المهنية على الدفاع عن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان. حصلت عمر على ماجستير في القوانين من كلية الحقوق بجامعة سيراكيوز، بعد حصولها على ليسانس القانون من جامعة القاهرة.حسابها على موقع إكس: yasminoviech@