في 6 أكتوبر، تم إعادة انتخاب الرئيس قيس سعيد لولاية ثانية رئيسًا لتونس في أول انتخابات رئاسية منذ استيلائه على سلطات واسعة في يوليو 2021، عندما قام بحل البرلمان وقام باحتكار صلاحيات تنفيذية واسعة. وقد اعتُبرت هذه الانتخابات اختبارًا حاسمًا لديمقراطية تونس، في وقت تزايدت فيه المخاوف بشأن تراجع الحريات السياسية وضعف المؤسسات تحت حكم سعيد.

عبدالرزاق كيلاني، السفير التونسي السابق لدى الأمم المتحدة، هو شخصية سياسية بارزة. ترأس الهيئة الوطنية للمحامين خلال ثورة 2010 في تونس، وعُين نائبًا لرئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع المجلس الوطني التأسيسي في 2012. كان كيلاني يراقب عن كثب الانتخابات التونسية لصالح مركز ديمقراطية في الشرق الأوسط (MEDC)، مقدّمًا تحليلات قيمة حول المشهد السياسي المتغير في البلاد من خلال “مرصد الانتخابات الرئاسية التونسية في MEDC. حيث وثّق الانتهاكات التي شابت الانتخابات، موضحا التحديات الكبيرة التي واجهت تونس في إجراء انتخابات حرة ونزيهة.

في حديثه مع سارة محمد من MEDC، ناقش كيلاني تحليله للانتخابات، بما في ذلك الانتهاكات الانتخابية، ومحاولات أعضاء البرلمان لتوحيد القوى وتعزيز سلطات سعيد، والآثار المترتبة على نتائج الانتخابات. كما تطرق إلى التحديات التي تواجهها الأحزاب المعارضة واحتمالات توحيد القوى لمواجهة النظام الاستبدادي المتزايد تحت حكم قيس سعيد.

 

كانت هناك العديد من الانتهاكات التي سبقت الانتخابات الرئاسية، بما في ذلك اعتقال وإدانة منافسي الرئيس المحتملين، وقمع حرية الصحافة، والإقصاء غير العادل للمرشحين. هل يمكنك التحدث عن أي من الانتهاكات التي حدثت في يوم الانتخابات بشكل خاص؟ هل كانت هناك أي انتهاكات مهمة لم تحظَ بتغطية إعلامية كافية من وجهة نظرك؟

تولت التلفزة الحكومية القيام بحملة دعاية لقيس سعيد طيلة يوم الاقتراع في مخالفة صارخة للقانون، وتعمد بعض أعوان السلطة يوم الاقتراع التأثير على ارادة بعض الناخبين، فتم استخدام اللوحات الإلكترونية لسير الآراء في أغلب مراكز الاقتراع وهو ما يجعل الناخب وكأنه مراقب وبالتالي غير حر في التعبير عن إرادته في ظل أجواء الخوف والرعب السائدة.

وفي ظل غياب الملاحظين والمراقبين في جل وأغلب مكاتب الاقتراع، لم يثبت تول رئيس مكتب الاقتراع أو من يعوضه تعليق محضر عملية الفرز الخاصة بالمكتب المذكور ووضع نظير من المحضر بصندوق الاقتراع طبقاً للفصل 140 من القانون الانتخابي مع الملاحظة وأن التخلف عن قيام بذلك يستوجب عقوبة سجنية طبقا للفصل 164 من القانون الانتخابي.

كما تولت التلفزة الحكومية بشراكة مع مؤسسة خاصة لسير الآراء صاحبها معروف بالتملق للسلطة نشر استطلاع آراء مزعوم لنتائج الانتخابات في تجاوز للقانون وبغاية توجيه الرأي العام نحو تقبل نتائج انتخابات بعينها وقبل أن تعلن هيئة الانتخابات عن النتائج التي لديها.

لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬سباقاً‭ ‬انتخابياً‭ ‬وانما‭ ‬استقواء‭ ‬بأجهزة‭ ‬الدولة‭ ‬وتحريف‭ ‬للقانون‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التعديل‭ ‬الذي‭ ‬يسحب‭ ‬الولاية‭ ‬من‭ ‬المحكمة‭ ‬الادارية‭ ‬إلا‭ ‬مهزلة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬رفض‭ ‬هيئة‭ ‬الانتخابات‭ ‬اعتماد‭ ‬مراقبين‭ ‬وملاحظين‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬مراكز‭ ‬الاقتراع‭ ‬سواء‭ ‬الدين‭ ‬يمثلون‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬او‭ ‬المترشحين‭ ‬الا‭ ‬دليل‭ ‬اكبر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الانتخابات‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬حرة‭ ‬ولا‭ ‬نزيهة‭.‬

 

في وقت متأخر من موسم الحملة الانتخابية، شهدنا تمرير أعضاء البرلمان التونسي قانون جديد يهدف إلى إزالة أي إشراف حقيقي على اللجنة الانتخابية التونسية، التي تم استيعابها بالكامل من قبل الرئيس قيس سعيد. هل هناك أي جهود تشريعية مستمرة من قبل النواب التونسيين لتعزيز سلطة سعيد؟

في حقيقة الأمر فإن النواب هم حسب دستور قيس سعيد “موظفون” وليست لهم أي سلطة، وبالتالي فهم يأتمرون بما يمليه عليهم قيس سعيد تحت التهديد. بما في ذلك الزج بهم في السجن وهو يمسك بكل السلطات.

صحيح انه تم تداول مسألة امكانية وقدرة قيس سعيد على الترشح مرة أخرى، وطالب بذلك انصاره معتبرين أن انتخاب قيس سعيد مؤخرا تمت في ظل دستور جديد ،وبالتالي فإن الفترة الأولى لرئاسته لا يتم حسابها. في حين طلب مثلاً المرشح زهير المغراوي والذي جاء في المرتبة الثالثة بأن يقوم الرئيس سعيد بتوضيح هذه المسألة، والاعلان أنه سيقضي في الحكم فترته الأخيرة  طبقا للدستور والقانون، و”حسم الجدل نهائياً بخصوص هذه القضية” وفقاً لتصريحاته.

 

لطالما اعتمد سعيد على القمع الشديد لحرية التعبير، والجمعيات، والصحافة لتعميق قبضته الاستبدادية. كيف استهدف الصحفيين، والسياسيين، والمواطنين العاديين قبل الانتخابات وبعدها؟ هل تلاحظ أي اتجاهات جديدة؟

لم يطرأ على وضع القمع الذي استهدف الناشطين اي تحسن، بل تواصل وازداد سوء من خلال الأحكام الصادرة، مثلا ضد المحامي والوزير السابق للعدل نور الدين البحيري بتهمة ارتكاب الاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة “، والذي أصدرت الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية في حقه يوم 19 أكتوبر 2024 حكماً بالسجن مدته 10 سنوات على خلفية تدوينة وهمية فشل الادعاء العام في إثباتها، ومثل هذا الحكم بحسب هيئة الدفاعالبحيري “تواصل مسار قضائي غير مسبوق في الدوس على الإجراءات ومخالفة القانون وعدم مراعاة أبسط شكليات المحاكمة العادلة.”

ومثال آخر، هو الزج بـ المترشح للانتخابات الذي جاء في المرتبة الثانية وهو في السجن ،لسيد عياشي الزمال، والذي يتعرض لأكثر من 37 قضية صدرت فيها حتى الآن احكام وصلت مدتها ل 35 عاماً وأكثر، من أجل تزكيات مفتعلة حسب الاتهام. وفي الحقيقة أن ما يتعرض له عياشي الزمال هو تنكيل بدون حدود، لأنه رفع شعار “نقلبو الصفحة” عند الإعلان عن ترشحه وتمسك بحقه في الترشح، ورفض الانسحاب من السباق فاعتقل على وجه السرعة.

كما تم القبض على المحامية والمعلقة الصحفية الأستاذة سنية الدهماني، والتي تقضي عقوبة سجنية بثمانية أشهر من أجل تصريح اذاعي. كما صدر ضدها حكم ثاني في اكتوبر 2024 من المحكمة الابتدائية بتونس، يقضي بسجنها مدة عامين اثنين من أجل انتقادها لوضع النازحين، والهجرة ، والعنصرية، وتتعرض لثلاث محاكمات أخرى مشابهة. ويستمر التنكيل بالمعارضين، إذ في يوم 4 نوفمير 2024 تم نقل الصحفي المعروف محمد بوغلاب من زنزانته بالسجن المدني بالمرناقية إلى زنزانة أخرى تسمي “الكراكة”، وهي في مكان يفتقر إلى أدنى مقومات إنسانية وذو بنية تحتية مهترئة و مساحة ضيقة، لا تحترم حقوق السجناء. وما يتعرض له بوغلاب الموقوف منذ شهر مارس 2024 زاد وضعه الصحي سوءا، حيث انه يعاني من أمراض مزمنة ويحتاج رعاية صحية مكثفة.

كما تم الزج بـ رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة السيدة سهام بن سدرين في السجن منذ أغسطس 2024 من أجل تهم ملفقة، رغم تمتعها بحصانة حسب قانون العدالة الانتقالية، وهي امرأة عرفت بنظافة يديها، وكرست حياتها منذ بداية شبابها في الدفاع عن القضايا العادلة.

تدل كل هذه الأمثلة على أن الة القمع في ظل حكم قيس سعيد تستمر في استهداف جميع فئات المجتمع التونسي، حيث تم الزج بالمعارضين السياسيين بمختلف توجهاتهم الفكرية في السجون، ووصل الآن الدور على رجال الاعمال، لانه بحسب قول سعيد “سيبدأ الحرب على الفساد،” مما يهدد استقرار الوضع الاقتصادي، وسيترتب عليه غلق المؤسسات وتسريح مئات العمال، وزيادة معدلات الفقر والبطالة.

اضافة لذلك، ورغم المحاولات أثناء فترة الانتقال الديمقراطي لمصالحة الأمن التونسي مع الشعب، فإن سعيد وفي إطار تلك الخطوات التي اتخذها لتعزيز سلطته، استخدم الاجهزة الأمنية كأداة قمع للمعارضين، وملاحقة الناشطين والصحفيين، مما خلق أجواء من الخوف والترهيب، والذي أدى لتآكل الثقة بين الحكومة والمواطنين، واصبح الكثيرين يشعرون أن بدلاً من أن يقوم قوات الأمن بحمايتهم، اصبحت أداة ترهيب، وأصبح من الصعب على المجتمع المدني ممارسة نشاطاته بحرية، وهو مؤشر خطير على مزيد من انزلاق تونس نحو القمع وتراجع مستوى الحريات.

وجاء في تعليق على خطاب سعيد اثناء أدائه اليمين الدستورية “لا برنامج، لا انجاز، لا مؤشرات واقعية، ولا رؤية واضحة . . . فقط خطاب التهديد والوعيد”، وبالتالي ليس هناك أي اتجاهات جديدة.

 

رأينا أن بعض الأحزاب السياسية قررت مقاطعة الانتخابات، في حين قرر آخرون المشاركة من خلال ترشيح مرشحين خاصين بهم، في مثال على انقسام المعارضة لحكم سعيد الاستبدادي. كيف يمكن للأحزاب السياسية التونسية المعارضة لحكم سعيد أن تتوحد للتحدي ضده؟ هل هذا ممكن؟

إن رأي أحزاب المعارضة واحدة تجاه سعيد، إ أنها غير موحدة مع بعضها البعض ضده، وبقيت منقسمة رغم ما تتعرض له من قمع وتنكيل، وسجن اغلب قادتها، وهي ظاهرة تستحق أن تدرس. 

سعيد بالتأكيد يستخدم هذا الأمر لصالحه، ويستغل الانقسام كي يبسط قبضته على كل مفاصل الدولة، وبقى جزء من المعارضة مكبلة بإيديولوجياتها وباختلافاتها الفكرية مع الآخرين لرفض اي توحد او حتى تقارب بالرغم من المحاولات التي قام بها العديد من الأطراف المختلفة لتقريب وجهات النظر، وتنسيق ووضع المصلحة الوطنية اولوية عن المصلحة الفردية أو الحزبية. وفي كل الاحوال، فإن تمسك البعض من المعارضة بموقفها الرافض لأي تقارب هو تصرف غير حكيم، ولا يخدم سوى مصلحة الديكتاتورية. ومع الوقت في اعتقادي، فان التوحد لا مفر منه، لأن القمع القادم سيوحد الجميع رغما عنهم.

 

استنادًا إلى كل ما شاركتنا به اليوم، ماذا تكشف هذه الانتخابات غير الديمقراطية عن حكم سعيد والمؤسسات التونسية في المستقبل؟

يمكن أن أسوق أربعة ملاحظات حول الحالة التي تعيشها البلاد تحت حكم قيس سعيد:

١- شخص يحكم وهو عديم الكفاءة (بلا مشروع او برنامج): سعيد رغم عدم كفاءته (هو مدرس معيد في كل الحقوق طيلة 30 سنة) فهو يصر على تطبيق رؤاه في كل المجالات والقطاعات، ويقرأ قراءة سطحية وساذجة في مسائل معقدة كالتوازنات المالية، وخطط دفع النمو الاقتصادي. 

كما انه لا يحسن إدارة الشأن العام ، ولا اختيار معاونيه، إذ جاء بأربعة رؤساء حكومات منذ العام 2020 وتول إقالة العشرات من الوزراء، والمديرين العامين، والولاة وهو ما يفسر اليوم التعطل في الإدارة والاقتصاد وجعله في هذه الحالة المهلهلة.

مجملاً، يعتبر سعيد أن الولاء لشخصه هو من الكفاءة، ولا يعترف بالفشل، معتبراً أن أي رأي مخالف له هو مؤامرة.

٢- خطاب الكراهية والعنف: لم يكتف سعيد أن يتوجه في كل خطاباته تقريباً بالسب والشتم لمعارضيه، متهما إياهم بالخيانة والعمالة والارتزاق، واصفاً إياهم بالجراثيم والأورام التي يجب القضاء عليها. كما يحمل خطابه مضموناً ومفردات تشحن على الكراهية، وتهدد السلم الأهلي وتبرر العنف، وحتى الاقتتال. ومع تردي الأوضاع وتعالى خطاب الكراهية إلى جانب تنامي العنصرية بعد وفود الاخوة من الساحل الأفريقي لتونس.

٣- الظلم المتفشي: لم تعرف تونس مستوى الظلم الحالي في تاريخها ولا حتى في عهد بن علي، في عهد بن علي مثلاً مس فئة معينة ومحددة، إلا أنه في عهد قيس سعيد فقد مس كل القطاعات والفئات، وفي أثناء عملنا اكتشفنا قضايا مفبركة وملفات فارغة مع حجج مضحكة. وللأسف لا يجد أصحاب هذه القضايا من ينصفهم، لأن القضاة يحكمون وفقا للتعليمات التي يتلقونها وذلك تحت التهديد بالاقالة أو حتى السجن. دائرة الظلم تتسع كل يوم.

٤- صعوبة الظروف المعيشية للتونسيين: بسبب غلاء المعيشة وندرة المواد الأساسية، وارتفاع نسبة الفقر والبطالة وانسداد الأفق أمام الشباب. كل هذه العناصر تشكل مخزوناً لدى التونسيين يمكن أن يمهد لانتفاضة شعبية في مستقبل غير بعيد.


 

عبدالرزاق كيلاني هو محامٍ ووزير سابق. ترأس الهيئة الوطنية للمحامين خلال ثورة 2010 في تونس، وعُين في 2011 نائبًا لرئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع المجلس الوطني التأسيسي في عهد رئيس الوزراء حمادي الجبالي. وفي عام 2013، شغل منصب سفير تونس لدى الأمم المتحدة. في 20 أكتوبر 2020، أعلن رئيس الحكومة هشام المشيشي عن تعيين الكيلاني رئيسًا للهيئة العامة للمجاهدين والشهداء وجرحى الثورة وعمليات الإرهاب. يمكن متابعته على منصة إكس @AbderrazakKila1.

سارة محمد مديرة برنامج مناهضة الاعتقال التعسفي في مركز ديمقراطية الشرق الأوسط.


 

الرئيس التونسي قيس سعيد يؤدي اليمين الدستورية في مجلس نواب الشعب في باردو، ثم حضر مراسم الاستقبال في قصر قرطاج في 21 أكتوبر 2024.

المصدر: الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية التونسية على فيسبوك