وفي أغسطس/آب، كشفت الحكومة المصرية عن مشروع القانون إن مصر تسعى جاهدة إلى إصلاح قانون الإجراءات الجنائية، وهي الخطوة التي تروج لها باعتبارها خطوة نحو تحسين سيادة القانون. ومع ذلك، فإن هذا الاقتراح التشريعي ليس أكثر من مجرد لفتة استعراضية لاسترضاء المنتقدين الدوليين في حين يعمل في الواقع على ترسيخ المزيد من القمع الحكومي من خلال النظام القانوني. ولا يوجد مكان أكثر وضوحًا من الحملة المستمرة التي يشنها النظام المصري ضد الكاتب المصري المسجون والناشط المؤيد للديمقراطية علاء عبد الفتاح، الذي يخدم نضاله القانوني والسياسي الذي دام عشر سنوات كشهادة على حكومة تحل حكم القانون محل نظام استبدادي يقوم على الحكم بالقانون.

لأكثر من عقد من الزمن، علاء عبد الفتاح لقد واجه حلقة متواصلة من الاعتقالات والمحاكمات غير العادلة والاحتجازات التعسفية. وعلى الرغم من إكماله عقوبة السجن غير العادلة لمدة خمس سنوات في نهاية الشهر الماضي، فإن السلطات المصرية تواصل احتجازه. ويشكل سجنه المطول تحديًا للقانون المحلي المصري. 

السلطات المصرية تزعم أن الوقت الذي قضاه عبد الفتاح في الحبس الاحتياطي لا يُحتسب ضمن عقوبته بالسجن خمس سنوات لأنه كان محتجزًا احتياطيًا بموجب قضية مختلفة عن تلك التي أدين بها في النهاية. ومع ذلك، تنص المادتان 482 و484 من قانون الإجراءات الجنائية المصري الحالي على أن الوقت الذي يقضيه الفرد في الحبس الاحتياطي يُحتسب كجزء من إجمالي الوقت الذي قضاه، حتى لو كانت هناك قضايا متعددة. بالإضافة إلى ذلك، فإن مصر من الدول الموقعة على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي ينص على أنه لا يجوز احتجاز أي شخص لفترة تتجاوز مدة عقوبته دون أساس قانوني. 

إن استمرار احتجاز عبد الفتاح يجسد نظاماً قانونياً مصمماً للحفاظ على السيطرة بدلاً من تحقيق العدالة. والواقع أن الإصلاحات المقترحة لقانون الإجراءات الجنائية في مصر لن تفعل الكثير لتغيير هذا الواقع. 

لا تعالج أي من الأحكام التحيزات القانونية الصارخة التي أبقت عبد الفتاح في السجن على مدى العقد الماضي والآن بعد انتهاء عقوبته. ولا تجبر هذه الأحكام السلطات المصرية على الالتزام بالقانون القائم. والواقع أن التعديلات المقترحة، من بين التغييرات الصارخة الأخرى، من شأنها أن تحرم عبد الفتاح من حقه في التصويت في الانتخابات الرئاسية المقبلة. تقويض الحق في الاستعانة بمحام وتقييد الإجراءات القانونية الواجبة من خلال تقنين استخدام المحاكمات عن بعد، وإصدار الأحكام غيابياً، وإنكار الحق في الاستماع إلى الشهود.ولكن ما قد تحققه هذه الإصلاحات بدلاً من ذلك هو غطاء من الشرعية، في حين تسمح للحكومة بمواصلة قمع المعارضة.

إن هذا النهج ليس جديداً بالنسبة لمصر. فعلى مر السنين، لجأت الحكومة المصرية مراراً وتكراراً إلى صور إن النظام السعودي لا يكتفي باتخاذ خطوات نحو الانفتاح السياسي، بل يلجأ إلى مضاعفة القمع بمجرد أن يتراجع التدقيق الدولي. وكثيراً ما يتم توقيت إطلاق سراح عدد قليل من الناشطين البارزين، أو الوعد بالإصلاح القانوني، بشكل استراتيجي بحيث يتزامن مع الأحداث الدولية أو المشاركات الدبلوماسية.

ولكن هذه الإيماءات نادراً ما تؤدي إلى تغيير حقيقي. بل إنها تعمل بدلاً من ذلك كستار دخان لإخفاء الاضطهاد المستمر للناشطين الآخرين. الأقلياتإن هذه المهزلة سمحت لمصر بخداع المجتمع الدولي وإقناعه بأن هناك تقدماً يتم تحقيقه بينما تستمر في قمع أولئك الذين يتحدون رواية النظام.

خذ هذا المثال، مروة عرفة، مترجم مستقل، أمضى خمس سنوات في الحبس الاحتياطي، وهو ما يتجاوز بكثير الحد الأقصى القانوني المنصوص عليه في قانون الإجراءات المدنية الحالي. أو فكر في ابراهيم متولي محامي حقوق الإنسان، الذي تم احتجازه ظلماً وبصورة غير قانونية في الحبس الاحتياطي منذ عام 2017. كلتا الحالتين توضحان كيف تستغل الحكومة المصرية القوانين كسلاح، مثل قانون مكافحة الارهابإن مثل هذه الممارسات تهدف إلى قمع المعارضة وتوفير ذريعة قانونية للاحتجاز التعسفي. وفي ظل هذه الظروف، لا يمكن لأي إصلاح تشريعي ــ مهما كان مصقولاً ــ أن يتغلب على القضايا العميقة الجذور التي يفرضها نظام مصمم للعقاب بدلاً من الحماية.

إن الإصلاحات المقترحة جوفاء بشكل خاص عندما يتم النظر إليها جنبًا إلى جنب مع ترسانة من القوانين التي تستخدمها مصر لتبرير القمع. بالإضافة إلى قانون مكافحة الإرهاب، تسيء السلطات بانتظام استخدام قانون مكافحة الإرهاب. قانون الجرائم الإلكترونيةأطلقت حملة قانون منع الاحتجاج، و قانون المنظمات غير الحكومية- كل القوانين التي من شأنها أن تظل ثابتة في مكانها إلى جانب القانون المقترح، مما يمنع أي إصلاح ذي معنى.

وعلاوة على ذلك، اكتسبت ممارسات الحكومة المصرية القمعية المزيد من الجرأة بسبب فشل المجتمع الدولي في الوفاء بالتزاماته بدعم القانون الدولي لحقوق الإنسان ومحاسبة النظام المصري على انتهاكاته. وفي الأشهر الأخيرة، ومع تكثيف الفظائع التي ارتكبتها الحكومة الإسرائيلية وتجاهلها للإفلات من العقاب، سعت مصر إلى الاستفادة من التركيز العالمي على أزمات المنطقة ودورها المفترض في تأمين الاستقرار كغطاء لانتهاكاتها لحقوق الإنسان. وهذا الاستخدام الانتهازي للأزمة الجيوسياسية في الشرق الأوسط لدفع المزيد من الإجراءات القمعية أمر مثير للقلق بشكل خاص بالنظر إلى الدعم الثابت الذي تلقته مصر من الولايات المتحدة. 

على الرغم من المكالمات من منظمات حقوق الإنسان إلى حجب 320 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر بشرط الالتزام بمعايير حقوق الإنسان، فإن الولايات المتحدة صدر إن الولايات المتحدة لم تكتف بتقديم هذه المساعدة بالكامل في سبتمبر/أيلول، متجاهلة القانون الأميركي ومخاوف حقوق الإنسان داخل مصر. والرسالة من واشنطن واضحة: المصالح الجيوسياسية لها الأسبقية على حماية وتعزيز حقوق الإنسان المعترف بها دوليا. وبالنسبة لمصر، فإن هذا يعني أنها تستطيع مواصلة حملاتها القمعية على الناشطين والصحفيين والجهات الفاعلة في المجتمع المدني بأقل قدر من العواقب. ولا تعمل هذه الديناميكية إلا على تعزيز الإفلات من العقاب الذي يعمل به النظام المصري، مما يزيد من ترسيخ جهازه القمعي.

ومن شدة اليأس والإحباط، قررت الدكتورة ليلى سويف، والدة عبد الفتاح، أطلقت لقد خاضت سويف إضراباً عن الطعام في الثلاثين من سبتمبر/أيلول رداً على رفض السلطات إطلاق سراح ابنها بعد أن أكمل عقوبته. ويسلط احتجاج سويف الضوء على المشكلة الأوسع نطاقاً في نهج مصر في التعامل مع العدالة: النظام القانوني التعسفي والقمعي والتطبيق الانتقائي لقوانينها. إن إضرابها عن الطعام ليس مجرد دعوة للإفراج عن ابنها، بل هو أيضاً صرخة من أجل نظام يحترم المعايير القانونية ويصون حقوق الإنسان.

ولكن على الرغم من معاناة الأسر مثل أسرة سويف، فإن المجتمع الدولي يظل صامتاً إلى حد كبير. ولم يبذل حلفاء مصر وشركاؤها سوى القليل من الجهد للضغط على الحكومة لحملها على الامتثال للمعايير الدولية للعدالة. وبدلاً من ذلك، أتقنت مصر فن الإصلاحات الزائفة، مدعية أنها تعالج المخاوف الدولية بينما تستمر في إغلاق الحيز المدني واستهداف قادة المجتمع المدني. حسام بهجت, عزة سليمانو ناصر أمين وهم من بين قادة المجتمع المدني الذين لا يزالون يواجهون قيودًا قانونية حتى بعد أن زعمت النيابة العامة المصرية إغلاق القضية 173 التي استمرت عقدًا من الزمان، واستهدفت العديد من منظمات المجتمع المدني. 

إن الحكومة المصرية لابد وأن تتخذ إجراءات جادة إذا كان لها أن تبعث على الأمل في إحداث تغيير حقيقي. ويبدأ هذا بالإفراج الفوري عن عبد الفتاح وكل المعتقلين ظلماً بسبب ممارستهم لحرياتهم الأساسية. كما يتطلب الإصلاح القانوني الحقيقي أكثر من مجرد صياغة قوانين جديدة سطحية. فهو يتطلب الإرادة السياسية اللازمة لتنفيذ القوانين بشكل عادل وضمان استقلال القضاء. ومن الواجب أن تضمن أحكام قانون الإجراءات الجنائية الحالي المحاكمة العادلة، والإجراءات القانونية الواجبة، والحق في الاستعانة بمحام لكل المعتقلين. ولكن ربما يكون الأمر الأكثر أهمية هو أن هذا يتطلب وضع حد لتسليح العملية التشريعية لتقويض سيادة القانون.

إن التغيير الحقيقي يتطلب أيضاً إرساء بيئة مدنية وسياسية حرة، حيث يستطيع المحامون والناشطون وفاعلو المجتمع المدني العمل دون خوف من الاعتقال أو المضايقة. ولكن الواقع في مصر بعيد كل البعد عن هذا المثل الأعلى. فهو لا يزال بوتقة غليان، حيث يغلي السخط تحت السطح بسبب القمع الواسع النطاق والتحديات الاجتماعية والاقتصادية.

لا تزال هناك فرصة لإنقاذ الشعب المصري من مشروع قانون الإجراءات الجنائية الذي لن يعرض الحماية الدستورية للحقوق المدنية والشخصية للخطر فحسب، بل سيعمل أيضاً على ترسيخ دولة بوليسية استبدادية. ويتعين على المجتمع الدولي أن يستمع إلى المجتمع المدني المصري ويعارض مشروع القانون هذا. وإلا فإن الإطار القانوني سيظل أداة للقمع ويعزز قدرة النظام على الاستمرار في تقديم تغييرات سطحية كواجهة للتقدم. 

وبينما تزعم مصر أنها تشرع في مسار الإصلاح، فإن محنة عبد الفتاح وعدد لا يحصى من الآخرين تظهر أن ما يحتاج إلى التغيير ليس القانون، بل الممارسة.

 


تعليق الصورة: علاء عبد الفتاح مع والدته الدكتورة ليلى سويف. في 30 سبتمبر/أيلول، بدأت سويف إضرابًا عن الطعام احتجاجًا على استمرار حبس عبد الفتاح رغم انتهاء مدة حكمه بالسجن لمدة خمس سنوات. الصورة بإذن من سناء سيف